لا شكَّ أن صلاة الجماعة أفضلُ من صلاة المُنفَرِد، وأن الصلاة في أولِ الوقت أفضل من الصلاة في غيره، فيسَنُّ للإنسان أن يبادِر بالصلاة في أول وقتِها، وأن يصلِّيَها في جماعة. وذلك إذا لم يكن مرتبِطًا بعمل آخر له أهميَّته، ولو تركَه لفَسَد العمل أو نقص أثرُه نقصًا واضحًا، وهذا في عمله أما عملُه لغيره فلا يَحِلّ له أن يتركَه لهذه الفَضيلة التي لا عِقاب على تركِها إلا إذا أذِن له صاحِب العمل لأن أداءَ العمل لقاءَ أجْرٍ عَقْد واجب التنفيذ لا يجوز التقصير فيه، أما الجماعة وأول الوقت فسُنَّة، والواجب مقدَّم على السُّنّة، فإذا سمَح صاحب العمل في فُسْحةٍ من أجل الصلاة جاز ذلك. على ألاّ يُساءَ استعمال هذه الفُسحة، فتُتَّخَذ وسيلةً إلى التزويغ أو قضاء مَصالح أو غير ذلك أكثر من الصّلاة.

والنبي ـ صلَّى الله عليه وسلم ـ حينما حَدّد جبريلُ له أوقات الصلاة ـ صلَّى به في أول الوقت، ثُمَّ صلَّى ثانيًا في آخِر الوقت وقال “الوقت ما بين هذيْن الوَقتين” وذلك من باب التيسير، فإذا كان الإنسان حُرًّا غيرَ مرتبط بعمل لغيره فمِن السُّنّة المبادَرة بالصلاة جماعةً في أوّل وقتِها، أما إذا كان مرتبطًا فيتوقّف ذلك على إذن صاحب العمل.

ونعتقد أن أصحاب الأعمال المسلِمين لا يمنعون أحدًا من ذلك، فصاحب الدين سيحافِظ على العمل ويُتْقِنُه ولا يتهاوَن فيه، غير أنّه ـ كما قُلْتُ ـ لا ينبغي إساءةُ هذا الإذن ، فالعمل نفسُه طاعة لله ما دامت النِّيّة فيه طَيِّبة، وليتعاوَنْ أرباب العمل مع العُمّال على المَصلحة المُشترَكة.

هذا كله ما دام في الوقت متَّسَع أما إذا ضاق الوقت وخِيفَ أن تفوتَ الصلاة وَجب ترك العمل من أجل إدراك الصّلاة، ولا يتوقّف ذلك على إذن صاحب العمل ، فلا طاعةَ لمَخلوقٍ في مَعصية الخالِق.

ولو فرض أن صاحب العمل شديد لا يسمح لأحد بترك العمل لأجل الصلاة، وإن تركه عاقبه عقوبة تؤثر تأثيرًا شديدًا على العامل، فيجوز له أن يجمع فرضين بعضهما مع بعض يصليهما بعد الانتهاء من العمل، الظهر مع العصر، أو المغرب مع العشاء كما ذهب إليه الإمام أحمد بن حنبل.