روى البخاري ومسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان في سفر مع أصحابه في رمضان، فلمَّا غابَتِ الشمس طلب من بلال أن يُعِدَّ لهم طعام الإفطار، فلمَّا أعدَّه شَرِبَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم أشار بيده ” إذا غابت الشمس من هاهنا وجاء الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم” أي حلَّ له الفِطْر. فإذا غاب قُرْص الشمس حلَّ الفِطْر حتى لو كان الشفق مُضيئًا. وروى أبو داود عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يُفْطر قبل أن يُصلي المغرب، وفطره كان رُطَبَات، فإن لم يجد فتمرات، فإن لم يجد فَعَلَى ماءٍ، وهذا الإفطار الخفيف المحتوِي على بعْض السُّكَّريات له فوائده الطبية العظيمة. يقول ابن القيم: وإنما خصَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الفطر بما ذكر؛ لأن إعطاء الطبيعة الشيء الحُلو مع خُلُوِّ المعدة أدعى إلى قبوله وانتفاع القوى به لا سيما قوة البصر، وأما الماء فإن الكبد يُحَصل لها بالصوم نوعَ يَبَس، فإن رطِّبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده، ولهذا كان الأوْلى للظمآن الجائع أن يبدأ بشُرب قليل من الماء ثم يأكُل بعْده.
وقد صحَّ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه البخاري ومسلم أنه قال” لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفِطْر” وفيما رواه أحمد والترمذي يقول الله عز وجل: إن أحبَّ عبادي إلى أعجلهم فطرًا” فإذا تحقق الصائم غروب الشمس بادر بالإفطار الخفيف المحتوي على مادة سكرية، لأنه أرفق بالصائم وأقوى له على العبادة.
ويُؤْخذ من هذا أن تقديم الفطر على صلاة المغرب هو هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكن ليس معنى هذا أن يفطر الإنسان إفطاراً كاملاً ويستغرق فيه وقتًا طويلًا ثم يقوم لصلاة المغرب آخر وقتها؛ لأن الصلاة في أول وقتها من أفضل الأعمال. وصلاة المغرب بالذات وقتها ضيق، وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه أحمد وأبو داود ” لا تَزال أمَّتي بخير – أو على الفِطْرة – ما لم يُؤخِّروا المغرب حتى تشتبك النجوم” فلأجل الحرص على الفضيلتين – وهما تعجيل الفطر وتعجيل صلاة المغرب- يكون الإفطار خفيفًا جدًّا على شَراب أو طعام حلو أو ماء، ثم تُصلى صلاة المغرب، ثم يُكْمل الإفطار بعد ذلك في طمأنينة وراحة بال.