صلة الرحم واجبة سواء أحسنوا أم أساءوا، ولا يجوز للمسلم أن يقطع رحمه بسبب ما قد يصيبه منهم من إيذاء، وفي الحديث الذي رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ فَقَالَ لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ).

يقول فضيلة الدكتور محمود عبد الله العكازي:
مما لاشك فيه أن كثيرًا منا قد يكون له بعض الأحوال، وتطرأ عليه بعض الظروف، وتعتريه بعض الأسباب، تجعله يخرج عن الآداب الشرعية، ويضرب بالتقاليد والقيم عرض الحائط، فلا يرعى للدين حرمة، ولا للأهل كرامة، ولا للرحم حقًا، وقد انتشر هذا الداء الخطير، واستشرى معه الفساد، وسيطرت على بعض الأفراد نزعات شيطانية، وتحكمت فيهم أمور بعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام، لسبب أو لآخر، حتى رأينا الأبناء لا يحسنون معاملة الآباء، ولا يقدرونهم حق قدرهم، ورأينا الآباء لا يتقون الله في أبنائهم، وأصبح الإخوة الأحباء بالنسبة لبعضهم كأنهم إليهم من أشد الأعداء، فقطعوا الأرحام التي أمر الله بصلتها، فصار يخاصم الأخ أخاه، وتناسى البعض منا قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
(الرحم معلقة بالعرش، تقول: اللهم صـل من وصلني، واقطع من قطعني ).

وجاء في السنة المطهرة: (إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصيم). وجاء فيها كذلك: وفي الحديث الذي رواه البخاري قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ). وقال الله تعالى مادحًا من يعفو عن أخيه ويسامحه ويكظم غيظه مهما أساء إليه، وجعله من المتقين الذين أعد لهم جنات النعيم، حيث قال: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )

فلا يجوز للمسلم مقاطعة أخيه الذي ولدته أمه مهما فعل، وليكن البادئ بالسلام والعفو، مصداقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على ما يرفع الله به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: تحلم على من جهل عليك، وتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك). وقال:(ارحموا تراحموا، واغفروا يغفر لكم ).