يجوز توكيل الجمعيات الخيرية للقيام بذبح الأضحية في أي مكان لكي يقوموا بتوزيعها على المسلمين وغيرهم في البلاد التي تعرضت لزلزال أو كوارث .
ولحوم الهدي تُذبح في مكة ثم يوزع منها على فقراء الحرم، ثم ينقل الباقي لكي يوزع على فقراء المسلمين في هذه البلاد المنكوبة.
فقد شرع الإسلام التكافل والمواساة عندما تنزل الجوائح بأحدٍ، أو تصيب الشدائد والنوازل الناس، وذلك من باب التراحم، كما يشجِّع على مساعدة غير القادرين من غير المسلمين بشتى أنواع الصدقات، والتبرعات.

ومن أبواب الخير التي يمكن للمسلمين أن يقوموا بها هو القيام بتوكيل القائمين على مشروع الإغاثة لكي تقوم بذبح الأضحية وإطعام المتضررين سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين، فجميع فقراء المسلمين يدخلون تحت قوله تعالى: (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) الحج 36 .
بل هذا يتفق مع مقصد الشرع من تشريع الأضحية، من كونها إغناء للفقراء وإطعام لهم في أيام العيد والتشريق، فنقلها للبلاد الفقيرة أو المنكوبة ربما يكون أقرب للشرع، وأرجى عند الله تعالى .

والإهداء لغير المسلم من لحم الأضحية لا حرج فيه شرعاً فقد ثبت عن عبد الله بن عمر أنَّ عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء عند باب المسجد، فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه، فلبستها يوم الجمعة، وللوفد إذا قدموا عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة، ثمَّ جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل، فأعطى عمر بن الخطاب رضي الله عنه منها حلَّةً، فقال عمر: يا رسول الله كسوتنيها، وقد قلت في حلة عطارد (اسم البائع) ما قلت؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أكسكها لتلبسها، فكساها عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخا له بمكة مشركاً. متفق عليه .
قال النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم:
وفي حديث عمر في هذه الحلة: جواز إهداء المسلم إلى المشرك ثوباً وغيره.أهـ
ولأنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنها – أن تصل أمها بالمال وهي مشركة في وقت الهدنة .
فإن كانت الهدية في الرخاء جائزة، ففي الشدة أولى، على أنَّ إطعام الطعام أمر ممدوح في الإسلام قال الله تعالى مبيناً هذا : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرً ( وجاء في المغني لابن قدامة )بتصرف( يجوز أن يطعم منها (أي: الأضحية)  كافرا . وبهذا قال الحسن , وأبو ثور , وأصحاب الرأي . وقال مالك : غيرهم أحب إلينا . وكره مالك والليث إعطاء النصراني جلد الأضحية .

ولنا أنَّه طعام، له أكله، فجاز إطعامه للذمي, كسائر طعامه, ولأنه صدقة تطوع, فجاز إطعامها الذمي والأسير, كسائر صدقة التطوع .. أمَّا الصدقة الواجبة منها, فلا يجزئ دفعها إلى كافر؛ لأنها صدقة واجبة, فأشبهت الزكاة , وكفارة اليمين أهـ

أما عن توكيل الغير للقيام بذبح الأضحية فإنَّ الفقهاء أجازوا نيابة المسلم عن غيره في ذبح الأضحية .

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
اتفق الفقهاء على أنه تصح النيابة في ذبح الأضحية إذا كان النائب مسلما.أهـ
وعلى هذا فبإمكان الموسرين من المسلمين أن يجعلوا أضحيتهم طعاماً للمنكوبين ففي هذا تقديم للعون لأناس ابتلاهم الله بجائحة من الجوائح. فبإمكان الجمعيات الخيرية وهيئات الإغاثة أن تتلقي قيمة ثمن الأضحية، وتقوم بذبحها في أي مكان، ثم نقلها بعد ذلك للدول المنكوبة، وإطعام المنكوبين من المسلمين وغيرهم، هذا في الأضحية .

أما لحوم الهدي فإنَّ من المقرر شرعاً ذبح الهدي بمكة المكرمة لقوله تعالى:{ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ } فالهدي سمي هدياً لأنَّه يُهدَى إلى بيت الله – سبحانه من نعم ، ثم يوزع على فقراء الحرم؛ لأنهم أولى، ثم بعد ذلك يصدَّر الباقي لمن هم خارج الحرم، ولا يوجد من الفقهاء من قصرها على فقراء الحرم سوى الحنابلة فقط حيث قال صاحب المغني: “إذا نحر الهدي , فرقه على المساكين من أهل الحرم , وهو من كان في الحرم” أهـ
أمَّا غيرهم فلا يقصرونها على فقراء الحرم بل يرون أنَّها ليست قاصرة على فقراء الحرم بل يشاركهم في ذلك غيرهم من فقراء المسلمين، وإن وجد في الحرم فقراء فهم أولى وإن عدموا تنقل لغيرهم .

قال فضيلة الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى -:
وإن قدِّر أنه لا يوجد أحد يقبلها في مكة ـ وهذا فرض قد يكون محالا ـ فإنَّه لا حرج أن تذبح في مكة ، وتنقل لحومها إلى من يحتاجها من بلاد المسلمين ، الأقرب فالأقرب ، أو الأشد حاجة فالأشد.أهـ
على أنَّ لحوم الهدي مخصصة لفقراء المسلمين فحسب، لا يجوز لغير المسلم أن يأكل منها، فيجوز لهيئات الإغاثة أن تنقل ما تفضل من لحوم الهدي إلى من تضرر من بلاد المسلمين بفعل الزلازل .