منذ متى خلت الدنيا من الفتن، منذ متى انقطعت الشبهات والشهوات؟ ألم يقل الله سبحانه وتعالى: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) ألم يقل الله سبحانه وتعالى: ( لقد خلقنا الإنسان في كبد).
فاعلم أيها المسلم أن الفتن ستتوالى على العبد حتى يموت؛ لأن الفتن مقصودة لذاتها فهي تظهر الصادق من الكاذب، وتظهر المؤمن من المنافق، يقول الله سبحانه وتعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ {2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ).
وابتهل إلى الله، وادعه، واضرع إليه بأن يثبتك، ويرزقك الثبات.

واعلم أن من أهم الأسباب العملية في البعد عن المعاصي، والصبر عنها أن تتخذ لك صحبة صالحة تتعرف عليها من المسجد، أو من المحيط الإسلامي تأخذ بيدك نحو الخير، وتعينك على الطاعة، وتذكرك إذا نسيت، وتعصمك بصحبتها الإيمانية من الزلل، واعلم أن الشيطان قريب من الواحد، بعيد من الاثنين، وهو من الثلاثة أبعد، فالصحبة الصالحة، ثم الصحبة الصالحة، ثم الصحبة الصالحة خير معين على الطريق، وخير رفيق على طري الحق.

كما عليك أيها المسلم أن تكثر من سماع محاضرات الوعظ المؤثرة بين الحين والآخر.

فالإنسان يعترضه في كلِّ يومٍ مواقف وأهواء ونفسٌ وشيطان، كلُّها تجرُّه للمعصية والخطأ، وهذا هو طريق الخسران والعياذ بالله، فالمعصية والتمادي فيها مُهلِكةٌ ومُدمِّرةٌ للإنسان، ومن آثارها:
1- أنَّ الإنسان يُحرَم من الرزق، وفى الحديث: “وإنَّ الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه”رواه أحمد وابن ماجه والحاكم بسندٍ صحيح.
2- والمعصية تحرم المسلم من العلم، فالعلم نورٌ من الله يقذفه في القلب والمعصية تطفئ ذلك النور، وأحد الصالحين يقول: “إنِّي لأعصي الله فأرى ذلك في تعثُّر دابَّتي”.
3- والمعصية تورث الذلّ، وفى الدعاء: “اللهمَّ أعزَّني بطاعتك، ولا تذلَّني بمعصيتك”.
4- والمعصية تترك ظلمةً في القلب، وسواداً في الوجه، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: “إنَّ للسيئة اسوداداً في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضاً في قلوب الخلق”، وإذا أكثر العبد من المعاصي طُبِع على قلبه، فأصبح لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكرا: “كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون”.
5- والمعاصي تمحق البركة من كلِّ شيء، في المال والبدن والأولاد، وتبعد الملائكة وتقرِّب الشياطين.

أمَّا الحواجز والموانع التي تمنع من الوقوع في المعاصي فهي:
1- قوَّة الإيمان، كلَّما تمكَّن الإيمان من قلب المسلم، كان ذلك حائط صدٍّ ضدَّ المعاصي والذنوب والخطايا، والإيمان لا يقوى إلا بالطاعات والأعمال الصالحات من ذكرٍ وصيامٍ وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإكثار من فعل الخيرات، وصيام النوافل، وغير ذلك من الأعمال الطيِّبة التي تقوِّي الإيمان وتنمِّيه.

2- تقوى الله عزَّ وجلّ، والتقوى كما عرَّفها الإمام علي رضي الله عنه هي: “الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل”، كلُّ هذه المعاني إذا تجمَّعت في المسلم، فإنَّه حتماً سوف يكون تقيّا، بعيداً عن المعاصي والذنوب.

3- الابتعاد عن البيئات الموبوءة والفاسدة، فمَن يريد أن يحفظ نفسه من الوقوع في الزنا، عليه أن يبتعد عن مناظر التعرِّي والمشاهد المثيرة، والدافعة إلى الوقوع في الخطايا.

4- الصحبة الصالحة: يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: “المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل”رواه أبو داود والترمذيُّ والحاكم بسندٍ صحيح.
وقال رسول صلى الله عليه وسلم : “لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقيّ”رواه أبو داود والترمذيُّ والحاكم بسندٍ صحيح.

5- التسلُّح بالعلم، فإنَّ العلم نور، والجهل ظلمات، وبعض الناس تقع في الذنوب، وما يترتَّب عليها بسبب الجهل، وابن عباس يقول: ” فقيهٌ واحد أشدُّ على الشيطان من ألف عابد”.

6- لزوم البديل الشرعيّ، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ ما حرَّم شيئاً إلاَّ أباح له بديلا، فالإنسان الذي اعتاد السرقة، ينبغي أن يقلع عنها، ويتَّجه إلى العمل الشريف والتكسُّب من حلال، فإنَّ لذلك طعمٌ ومذاقٌ خاصّ، ومن تُسوِّل له نفسه الزنا عليه أن يتزوَّج، وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالزواج في حالة الاستطاعة.

7- حضور مجالس العلم، ومداومة الاستماع إلى الدعاة المؤثِّرين والعلماء الربَّانيِّين، ففي هذه المجالس تتغشَّى الرحمة أصحابها، وتحفُّهم الملائكة، ويذكرهم الله فيمن عنده، وهذه المجالس تفقِّه المرء فيما خفي عليه، وتعينه على معرفة حدود الحلال والحرام.

8- الدعاء، فهو سلاحٌ ينبغي ألا نغفله، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم كان دائم الدعاء، رغم أنَّ الله قد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، وكان من دعائه: “اللهمَّ يا مقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك، ….”رواه الترمذيُّ والحاكم بسندٍ صحيح.