جاء في شرح زاد المستقنع للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي:

البواسير والنواسير فيها تفصيل؛ إذ البواسير من الخارج، وغالباً تكون على حلقة الدبر، أما النواسير فتكون من داخل الدبر.

فالجروح السيالة التي في داخل الدبر من النواسير إذا استمر النزيف فلها حكمان، والبواسير لها حكم واحد.

أما البواسير فإذا كانت من خارج، أو على الحلقة-حلقة الدبر فتحة الشرج- فإنها لا تنقض الوضوء؛ لأنها من خارج، ومادتها نجسة، وأما النواسير الداخلية فتنقض الوضوء، ومادتها نجسة، فللبواسير حكم واحد، وهو النجاسة، وللنواسير حكمان: وهما النجاسة، ووجوب إعادة الطهارة.

ومن هنا فإذا كان عنده نواسير، وخرجت الدماء مسترسلة، أو كان عنده سلس في خروجها، فإنه إذا استمر خروج الدماء من النواسير، واستغرق وقت الصلاة كاملاً، فحينئذ نقول له: توضأ عند دخول الوقت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة، فقال عليه الصلاة والسلام: ( وتوضئي لكل صلاة )، وعلى هذا فإذا دخل الظهر فيتوضأ، ثم يصلي الظهر والسنن الراتبة القبلية والبعدية، ولو خرج معه دم النواسير؛ لأنه معذور، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فيعذر في هذا، وهذا بالنسبة لظاهر الحديث، أما إذا كانت النواسير تستمر معه وقتاً يسيراً كعشر دقائق، أو ربع ساعة، بحيث يأتيه نزيف بعد البراز مدة ربع ساعة، أو عشر دقائق، وحضر وقت الصلاة، فيقال له: لا تصل، وانتظر حتى تطهر، فتنقي الموضع وتطهره وتغسله، ثم تصلي صلاة بطهارة تامة كاملة.

وإذا كانت النواسير سيالة، وأمكنه أن يضع قطنة يسد بها موضع خروج الدم فليفعل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة أن تتلجم، وقال عليه الصلاة والسلام: ( أنعت لك الكرسف، قالت: يا رسول الله! هو أشد من ذلك )، ومعنى (أنعت): أصف، والكرسف: القطن، وذلك لأنه كان يخرج منها الدم من الفرج، والدم دم الاستحاضة، فهو مثل النواسير؛ لأن هذا من القبل وهذا من الدبر، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في دم الاستحاضة ( إنما ذلك عرق )، فوصفه بكونه نزيفاً من عرق، وهذا العرق ورد تسميته في السننن وفي مسند الإمام أحمد رحمه الله بأنه: العاذر، والعاند، والعاذل.

فإذا كان المعنى في النواسير هو نفس المعنى في الاستحاضة فالحكم واحد، فيقال لمن به ناسور: ضع قطنة تمنع خروج الدم وصلِّ، حتى إذا خرج الوقت أعدت الطهارة للصلاة الثانية.

ولكن إذا حصلت مشقة على الإنسان، كأن يكون في زمن شديد البرد، ويصعب عليه أن يتوضأ لكل صلاة، فإن له أن يؤخر صلاة الظهر إلى آخر وقتها، حتى لا يبقى من الوقت إلا بقدر ما يتطهر، ثم يتطهر فيصلي الظهر، فإذا أذن العصر صلى بعده العصر، ثم يؤخر المغرب إلى ما قبل آخر وقتها، ثم يتطهر فيصلي المغرب، ثم يؤذن العشاء فيقيم ويصلي العشاء، وهذا يسمى بالجمع الصوري، وهذا إذا كان قد استفحل عليه الأمر، أو كان الماء عنده قليلاً، ولا يمكنه أن يتوضأ لكل صلاة، فحينئذ نقول له: اجمع جمعاً صورياً، وهو معذور في ترك الجماعة من هذا الوجه.