ليس من الخطأ السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقد ثبت عنه أكثر من صيغة في التشهد، وهذه الصيغ المختلفة ليس بينها تعارض ، أو تضاد حتى يقع الترجيح بينها، فما التشهد إلا تعظيم لله تعالى ، وإذا أدى المصلي صلاته بأي صيغة من الصيغ الواردة في صحيح الأحاديث فقد أدى السنة، وقد علم عمر بن الخطاب المسلمين صيغة التشهد من فوق المنبر، ولم يعارضه أحد مع أن فيهم من يحفظ عن النبي صيغة أخرى غير التي يقول بها عمر بن الخطاب، فدل ذلك على أن الأمر واسع، وأن إيجاب صيغة، والمنع من أخرى إنما هو من تضييق الواسع.

يقول الدكتور حسام الدين عفانه أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس :
ليس غلطاً أن يقول المصلي ” السلام عليك أيها النبي ” في التشهد بل هو صواب لا شك في ذلك ولا ريب ،وكيف يكون غلطاً وقد قاله عدد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كعمر وابنه عبد الله،وابن عباس،وعائشة،وأبي موسى الأشعري، وغيرهم، وهو ثابت عنهم رضي الله عنهم أجمعين، وعليه جماهير أهل العلم .

وينبغي أن يعلم أنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة صيغ في التشهد، وقد ذكر الشيخ الألباني خمساً من صيغ التشهد ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي تشهد ابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وأبي موسى الأشعري، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين ،وليس في الصيغ الأربع الأخيرة سوى قول ” السلام عليك أيها النبي ” .كما ذكر ذلك الشيخ الألباني بنفسه في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد قرر المحققون من أهل العلم أن اختلاف صيغ التشهد الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي من اختلاف التنوع وليست من اختلاف التضاد . فإذا جاء المصلي بأي صيغة منها أجزأه ولا حرج عليه، ولا يصح حمل المصلي على صيغة واحدة فقط وهي قول ” السلام على النبي ” قال الإمام الشافعي:- ما في التشهد إلا تعظيم الله وإني لأرجو أن يكون كل هذا فيه واسعاً .

وقال الحافظ ابن عبد البر : –

[ ولما علم مالك أن التشهد لا يكون إلا توقيفاً عن النبي صلى الله عليه وسلم اختار تشهد عمر لأنه كان يعلمه للناس وهو على المنبر من غير نكير عليه من أحد من الصحابة وكانوا متوافرين في زمانه وأنه كان يعلم ذلك من لم يعلمه من التابعين وسائر من حضره من الداخلين في الدين ولم يأت عن أحد حضره من الصحابة أنه قال : ليس كما وصفت . وفي تسليمهم له ذلك مع اختلاف رواياتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك دليل على الإباحة والتوسعة فيما جاء عنه من ذلك عليه السلام مع أنه متقارب كله قريب في المعنى بعضه من بعض إنما فيه كلمة زائدة في ذلك المعنى أو ناقصة ] .

والذي أقول به أن الاختلاف في التشهد وفي الأذان والإقامة وعدد التكبير على الجنائز وما يقرأ ويدعى به فيها وعدد التكبير في العيدين ورفع الأيدي في ركوع الصلاة وفي التكبير على الجنائز وفي السلام من الصلاة واحدة أو اثنتين وفي وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة وسدل اليدين وفي القنوت وتركه وما كان مثل هذا كله اختلاف في مباح كالوضوء واحدة واثنتين وثلاثاً … وكل ما هذا قد نقلته الكافة من الخلف عن السلف ونقله التابعون بإحسان عن السابقين نقلاً لا يدخله غلط ولا نسيان لأنها أشياء ظاهرة معمول بها في بلدان الإسلام زمناً بعد زمن لا يختلف في ذلك علماؤهم وعوامهم من عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم وهلم جرا فدل على أنه مباح كله إباحة توسعة ورحمة والحمد لله .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عند حديثه عما يقع فيه الخلاف مما يتعلق بصفات العبادات ما نصه : –
[ والقسم الثالث ما قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أنه سن الأمرين ،لكن بعض أهل العلم حرم أحد النوعين أو كرهه لكونه لم يبلغه ،أو تأول الحديث تأويلاً ضعيفاً، والصواب في مثل هذا أن كل ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته فهو مسنون لا ينهى عن شيء منه،وإن كان بعضه أفضل .

فمن ذلك أنواع التشهدات؛ فإنه قد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم تشهد ابن مسعود وثبت عنه في صحيح مسلم تشهد أبي موسى، وألفاظه قريبة من ألفاظه ،وثبت عنه في صحيح مسلم تشهد ابن عباس وفي السنن تشهد ابن عمر وعائشة وجابر، وثبت في الموطأ وغيره أن عمر بن الخطاب علم المسلمين تشهداً على منبر النبي صلى الله عليه وسلم،ولم يكن عمر ليعلمهم تشهداً يقرونه عليه إلا وهو مشروع ؛فلهذا كان الصواب عند الأئمة المحققين أن التشهد بكل من هذه جائز لا كراهة فيه ، ومن قال إن الإتيان بألفاظ تشهد ابن مسعود واجب كما قاله بعض أصحاب أحمد فقد أخطأ ] .

وقال العلامة ابن العثيمين – رحمه الله -:
[ وأما ما ورد في صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إنهم كانوا يقولون بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ” السلام على النبي ورحمة الله وبركاته ” فهذا من اجتهاداته رضي الله عنه التي خالفه فيها من هو أعلم منه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،فإنه خطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال في التشهد ” السلام عليك أيها النبي ورحمة الله ” كما رواه مالك في الموطأ بسند من أصح الأسانيد، وقاله عمر بمحضر الصحابة رضي الله عنهم وأقروه على ذلك ، ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام علم أمته حتى إنه كان يعلم ابن مسعود وكفه بين كفيه من أجل أن يستحضر هذا اللفظ ، وكان يعلمهم إياه كما يعلمهم السورة من القرآن ، وهو يعلم أنه سيموت لأن الله قال له ( إنك ميت وإنهم ميتون )، ولم يقل بعد موتي قولوا ” السلام على النبي ” بل علمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن بلفظها . ولذلك لا يعول على اجتهاد ابن مسعود بل يقال ” السلام عليك أيها النبي ” ] انتهى.

وخلاصة الأمرأن القول بأن من الغلط أن يقول المصلي في تشهده ” السلام عليك أيها النبي ” قول خاطئ وتحجير لواسع وظهر لنا من أقوال كبار أهل العلم أن الأمر فيه سعة وأن المصلي إذا جاء بأي صيغة من صيغ التشهد الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن ذلك مجزئ إن شاء الله.