قال تعالى (لا يُؤاخِذُكُمُ الله باللغْوِ فِي أَيْمانِكم ولكنْ يُؤاخِذُكُم بِما عقَّدْتُم الأيْمان فكفّارتُه إطْعام عشرةِ مَساكينَ مِنْ أوسَطِ ما تُطْعِمون أهْلِيكم أو كِسوتُهُم أو تَحريرُ رَقبةٍ فمَن لَمْ يَجِد فصِيام ثَلاثَةِ أيّامٍ ذَلكَ كَفّارة أيْمَانِكم إذا حَلَفتُم واحْفظوا أيْمانَكم كذَلك يُبِيِّن اللهُ لَكم آياتِه لعلكُم تَشكرونَ ) (سورة المائدة : 89).
تُبيّن الآية كفّارة الحِنثِ في اليَمين، والمُمكِنُ الآن في أغْلبِ البِلاد الإسلاميّة، ـ نظرًا لإلغاء الرِّقِّ ـ وهو إطعام عشرة مَساكين أو كسوتهم ، فإن عجَز عن ذلك صام ثلاثة أيام.
ومِقدار الإطْعام هو ما يكفِي غَداءَ وعشاءَ لكلِّ مِسكين من مُتوسّط ما يتغذّى به الإنسان الذي وجبَت عليه الكفارة، وذلك يختلِف باختلاف المُستوَى الاقتصاديّ، ولا يُراعَى في ذلك وسط المَساكينِ الذين يأخذون الكفّارة ـ وكَذلك الأمر في الكُسوة.

وأجاز أبو حنيفة أن يُخرِج الإنسان قيمة الطّعام أو الكُسوة، وقد يكون أحسنَ للمِسكينِ في بعض الأحوال، وما دُمنا اعتبرْنا الوسطَ الذي يَعيش فيه من يُخرِج الكَفّارة تكون القيمة مختلفةً من شخص إلى شخص، وليس لها قَدْرٌ محدود يلتزمه كل إنسان.

وما جاء في الكتب من تقديرٍ فإنّما ذلك كان بحسَب الزمن الذي أُلِّفتْ فيه، والآية عامّة لكلِّ زمان ومكان، فيرجِع إلى المتعارَف عليه لتقدير الوسط، ففي الأقوال القديمة كما ذكرها القرطبي في تفسير الآية: أنّ أهلَ المدينة كانوا يُطعمون مُدًّا وثلثًا، وقال أبو حنيفة : يخرج الحانِث نصفَ صاع من البُرِّ، ومن التَّمْر والشَّعِير صَاعًا.
هذا، والصِّيام يجِب أن يكون مُتتابِعًا كما قال أبو حنيفة والشافعيّ في قوله له، بناءً على قراءة ابن مسعود “فصِيام ثَلاثةِ أيّامٍ مُتتابِعات” ولا يجِب التتابُع عند مالك والقَول الآخر للشافعيّ؛ لعدم النصِّ أو القياس على المنصوص ، وعليه فتُترَك الحرِّيّة لمَن يصوم، والدِّين يُسْرٌ.