كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، شاعر مشهور، أهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمه بسبب قصيدة نال فيها منه ومن أبي بكر ــ رضي الله عنه ــ فكتب له أخوه خبرًًا يدعوه للمسارعة بالتوبة والإسلام، فجاء متنكرًًا وأسلم على يد الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن طلب الأمان فأمنه، وقال قصيدته المشهورة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأهداه الرسول صلى الله عليه وسلم بُردة له.

ويروي ابن حجر في “الإصابة” وابن الأثير في “أُسد الغابة”: أن كعب بن زهير ـ رضي الله عنه ـ خرج وأخوه بُجير إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فلما بلغا أبرق العزّاف قال بُجير لكعب: اثبت أنت في غنمنا في هذا المكان حتى ألقى هذا الرجل الذي يدَّعي النبوة فأسمع ما يقول، فثبت كعب وخرج بُجير فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإسلام فأسلم بُجير فبلغ ذلك كعباً فقال:
ألا أبلغا عنّي بُجيراً رسالةً
على أي شيء دين غيرك دلكا
على خُلُقٍ لم تُلف أمّـا ولا أبـاً
عليه ولم تُدرك عليه أخاً لكـا
سقاك أبو بكر بكأس رويّـة
وأنهلك المأمور منها وعلّكـا

فلما بلغت أبياته هذه الرسول صلى الله عليه وسلم أهدر دمه؛ وقال عليه الصلاة والسلام: “من لقي كعباً فليقتله”، فكتب بذلك بُجير إلى أخيه وقال له النجاء، وما أراك تفلت، ثم كتب إليه أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأتيه أحد يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا قَبِلَ منه وأسقط ما كان قبل ذلك، فإذا أتاك كتابي هذا فأقبل وأسلم.

فدخل الإسلام قلب كعب فأسلم وقَدِم المدينة وهو متلثم فسأل عن أرق أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبر أنه أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ فذهب إلى أبي بكر وأخبره خبره، فمشى أبو بكر وكعب على إثره وهو متلثم حتى صار بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: يا رسول الله رجل يبايعك فمد الرسول صلى الله عليه وسلم يده ومد كعب يده، فبايعه وأسفر عن وجهه.

وأنشد كعب قصيدته الجميلة البديعة المشهورة باسم “البردة” والتي كان بعض العلماء يستفتح حلقة علمه ودرسه بقراءتها لما فيها من مدح للرسول صلى الله عليه وسلم ، والتي يقول فيها:
بانت سُعاد فقلبي اليوم متبولُ
مُتيمٌ إثرها لم يُفد مكبولُ
إلى أن يقول:
أُنبئتُ أن رسول الله أوعدني
والعفو عند رسول الله مأمولُ
وقد أتيتُ رسول الله معتذراً
والعذرُ عند رسول الله مقبولُ
مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة
القرآن فيها مواعيظ وتفصيلُ
لا تأخذَنِّي بأقوال الوشاة ولم
أذنب وقد كثُرت فيّ الأقاويل
إن الرسول لسيف يستضاء به
مهند من سيوف الله مسلول
في فتية من قريش قال قائلهم
ببطن مكـة لما أسلموا زولوا
إلى نهاية القصيدة الرائعة.

فعفــا عنه الرسول ص وكساه بردتـه صلى الله عليه وسلم فاشتراها معاوية رضي الله عنه من ورثته بعشرين ألف درهم ثم لايزال يتوارثها الخلفاء.
ومات كعب بن زهير ـ رضي الله عنه ـ سنة 24 هـ، وقيل 26 هـ.

مختصر من كتاب أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير ؛ وكتاب الإصابة للإمام ابن حجر العسقلاني.