ليكن معلومًا لكل إنسان أن الإسلام جاء دينًا وافيًا كامِلاً، فيه كل ما يحتاجه المسلم في دنياه وآخرتِه كما قال سبحانه وتعالى ( اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكمْ وأتْمَمْتُ عليْكُمْ نِعمتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلام دِينًا) (سورة المائدة:3) وقال ( ونَزَّلْنا عَليك الكِتابَ تِبْيانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وهُدًى ورَحمة وبُشْرَى للمُسْلمينَ )(سورة النحل : 89 ).
ومع ذلك لا مانع من الاستفادة بما يوجد في الكتب السماوية الصحيحة؛ لأنّ ما فيها حق وإن كانت فروع الشريعة تختلف من دين لآخر، فشرع من قبلنا ليس شرعًا لنا إلا إذا وجد في شرعنا ما يقرِّره، أو هو شرع لنا إن لم يوجَد في شرعنا ما يخالفه، على خلاف للعلماء في ذلك.
ولكن أين هي الكتب السماويّة الصحيحة التي يُستفاد منها وقد أقرَّ القرآن بأنها حُرِّفتْ؟ وبتحريفها كَفَرَ اليهودُ والنّصارى برسالة سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم الذِي يجدونَه مكتوبًا عنده في التوراة والإنجيل، قال تعالى ( الذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتابَ يَعرِفونَه كَما يَعرِفونَ أبْناءَهم وإنَّ فَريقًا مِنهُمْ لَيكتُمون الحَقَّ وهُمْ يَعلمونَ) ( سورة البقرة : 146 ). فلا حاجة بنا إلى الأخذ من كتبهم.

ولو قرأناها فليَكُن القارئ على معرفة تامّة بدينه هو، حتى لا يزلَّ ويتبع بعض ما فيها، وحتى لا يقول: إنّ فيها ما لا يوجَد في كتب الإسلام فيميل إليها ويطمئن إلى قراءتِها والعمل بما فيها، وقد حدث أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ نهى عن قراءة كتب أهل الكتاب ـ اليهود والنصارى ـ خَشية الفتنةِ بما فيها وقال لعمرَ ” أمَتَهَوِّكون فيها يا ابن الخطّاب؟ والذي نفسي بيده لقد جِئتُكم بها بَيضاءَ نَقِيّة” إلى أن قال ” والذي نفسي بيده لو أن موسَى كان حيًّا ما وسِعه إلا اتِّباعي” رواه أحمد في مسنده، ومع ذلك جاء عن الرسول، صَلَّى الله عليه وسَلَّم، كما أخرجه البخاري ، قوله: ” لا تصدِّقوا أهل الكتاب ولا تكذِّبوهم وقولوا : آمنّا بالله وما أُنزل إلينا ” وقوله ” بَلِّغوا عني ولو آية، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرجَ، ومَن كَذَب عليَّ متعمدا فليتبوّأ مقعدَه من النّارِ ” .
وهو يشير إلى مصادر المعرفة الثلاثة وهي القرآن الذي يجب تبليغه ، والحديث النبويّ الذي يجب الدّقة عند تلقيه وروايته، وما جاء عن بني إسرائيل من السّماح بروايته، وذلك في نطاق ما جاء عنه صلّى الله عليه وسلّم ، كما رواه أحمد وأبو داود: إن كان حديثهم حقًّا فلا تكذِّبهم فيه، وإن كان باطلاً فلا تصدِّقهم فيه، وما لا نجزم بصدقِه أو كذبه فنحن في حِلٍّ من الأخذ به أو رفضِه.
وفي ضوء هذا المقياس أصابَ عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رَضِيَ الله عنهما ـ يوم اليَرموك زاملتَين ـ أي حمل بَعيرين ـ من كُتب أهل الكِتاب فكان يحدِّث منهما، وابن مسعود، رَضي الله عنه، قال ـ كما رواه أحمد وغيره ـ : “لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنّهم لن يُهدوكم وقد أضلُّوا أنفسَهم، إمّا أنْ يحدِّثوكم بصِدق فتكذّبونهم أو بباطل فتصدِّقونهم .

والخُلاصة أن الأخذ من كتب الأديان الأخرى لا حاجة إليه، أما قراءتها للاطلاع على ما فيها ومقارنته بما جاء في الإسلام فلا مانِعَ منه لمَن هو متمكِّن في العلم الديني.