جاء في التشريع الجنائي في الإسلام :

يرى أبو حنيفة والشافعى وأحمد ((1)) أنه إذا كان القتيل جزءًا من القاتل امتنع الحكم بالقصاص ويكون القتيل جزءًا من القاتل إذا كان ولده فإذا قتل الأب ولده عمدًا فلا يعاقب على قتله بالقصاص؛ لقوله عليه السلام : “لا يقاد الوالد بولده”، ولقوله: “أنت ومالك لأبيك.
والحديث الأول صريح فى منع القصاص، والحديث الثانى وإن لم يكن صريحًا فى منع القصاص إلا أن نصه يمنع منه لأن تمليك الأب ولده وإن لم تثبت فيه حقيقة الملكية تقوم شبهة فى درء القصاص إذ القاعدة فى الشريعة “درء الحدود بالشبهات” أما الولد فيقتص منه لوالده سواء كان أبًا أو أمًا إذا قتله طبقًا للنصوص العامة، لأن النص الخاص لم يخرج من حكم النصوص العامة إلا الوالد فقط، ويعللون هذه التفرقة فى الحكم بين الوالد والولد بأن الحاجة إلى الزجر والردع فى جانب الولد أشهر منها فى جانب الوالد لأن الوالد يحب ولده لولده لا لنفسه دون أن ينتظر نفعًا منه إلا أن يحيى ذكره وهذا يقتضى الحرص على حياته، أما الولد فيحب والده لنفسه لا لوالده أى أنه يحبه لما يصل إليه من منفعة عن طريقه وهذا لا يقتضى الحرص على حياة والده لأن مال والده كله يؤول إليه بعد وفاته وحبه لنفسه يتعارض مع الحرص على حياة والده ((2)). ويعلل البعض ((3)) التفرقة فى الحكم بأن الوالد كان سببًا فى

__________

(1) بدائع الصنائع جـ 9 صـ 235، المهذب جـ 2 صـ 186، المغنى جـ 9 صـ 359 وما بعدها.

(2) بدائع الصنائع جـ 9 صـ 235.

(3) المغنى جـ 9 صـ 259، البحر الرائق جـ 8 صـ 296.

__________

إيجاد الولد فلا يصح أن يكون الولد سببًا فى إعدامه وهو تعليل يراه البعض بعيدًا عن الفقه؛ لأن إذا زنا بابنته يرجم فتكون سبب إعدامه مع أنه سبب وجودها. والحقيقة أن الابن والبنت ليسا سبب إعدام الأب وإنما ارتكاب الأب للجريمة فى كل حال كان سبب إعدامه ((1)). ويدخل تحت لفظى الوالد والولد باتفاق الفقهاء الثلاثة كل والد وإن علا وكل ولد وإن سفل فيدخل تحت الوالد الجد أب الأب والجد أب الأم وإن علا ((2))، ويدخل تحت الولد ولد الولد وإن سفلوا.

وحكم الأم هو حكم الأب، فإذا قتلت الأم ولدها فلا يقتص منها لأن النص جاء بلفظ الوالد وهى أحد الوالدين فاستوت فى الحكم مع الأب، فضلاً عن أنها أولى بالبر فكانت أولى بنفى القصاص عنها. ولأحمد رأى آخر غير معمول به، وهو قتل الأم بولدها ويعلل هذا الرأى بأن الأم لا ولاية لها على ولدها فتقتل به. ويرد على هذا الرأى بأن الولاية لا دخل لها فى منع القصاص بدليل أن الأب لا يقتص منه إذا قتل ولده الكبير مع أنه لا ولاية له على ولده ((3)).

والجدة كالأم فيما سبق سواء كانت من قَبل الأب أو من قبل الأم، فحكمها حكم الجد.

ويمتنع القصاص عن الوالد سواء كان مساويًا للولد فى الدين والحرية أو مخالفًا له فى ذلك؛ لأن انتفاء القصاص أساسه شرف الأبوة وهو موجود فى كل حال، فلو قتل الكافر ولده المسلم أو قتل الرقيق ولده الحر فلا قصاص لشرف الأبوة ومكانتها ((4)).

__________

(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ 2 صـ 250.

(2) يرى الحسن بن حى أن الجد لا يدخل تحت لفظ الوالد. ويرد عليه بأن الحكم يتعلق بالولادة فاستوى فيه القريب والبعيد ومن ثم كان الجد والداً.

(3) المغنى جـ 9 صـ 361.

(4) المغنى جـ 9 صـ 361.

__________

ويخالف مالك الفقهاء الثلاثة، ويرى قتل الوالد بولده كلما انتفت الشبهة فى أنه أراد تأديبه أو كلما ثبت ثبوتًا قاطعًا أنه أراد قتله، فلو أضجعه فذبحه أو شق بطنه أو قطع أعضاءه فقد تحقق أنه أراد قتله وانتفت شبهة أنه أراد من الفعل تأديبه ومن ثَمَّ يقتل به، أما إذا ضربه مؤدبًا أو حانقًا ولو بسيف أو حَذَفَه بحديدة أو ما أشبه فقتله فلا يقتص منه لأن شفقة الوالد على ولده وطبيعة حبه له تدعو دائمًا إلى الشك فى أنه قصد قتله، وهذا الشك يكفى لدرء الحد عنه ((2)) فلا يقتص منه، وإنما عليه دية مغلظة.

والقتل -كما جاء فى المدونة- من العمد لا من الخطأ فهو فى حال القاتل لا تحمل العاقلة منه شيئًا.