الحالة الوحيدة التي رخص فيها الإسلام في قتل الشرف هي: أن يجد الزوج رجلا أجنبيا على فراشه يزني بزوجته، وما عدا ذلك فهو باق على أصل الحرمة، وجريمة الزنا لها عقوبة محددة والرجل والمرأة فيها سواء، والواجب أن نقف عند حدود الله وأن نغلبها على الأعراف القبلية التي كثيرا ما يحكمها الشطط والتجاوز والتعدي (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) المائدة:5 .

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي –حفظه الله-:
لا يعرف الإسلام ما يسمى: جرائم الشرف، إلأ أن يجد رجل مع زوجته في فراشه رجلا أجنبيا يرتكب معها الفاحشة ، فتأخذه الغيرة فيقتله دفاعا عن عرضه. فهذا قد وجده متلبسا بالجريمة الكبرى في قلب بيته ومع زوجته،  ولكن لابد أن يثبت ذلك بالبينة ، أو باعتراف ولي المقتول ، الذي له حق القصاص من القاتل. وإلا استحق العقوبة الشرعية اللازمة لمثله .

يقول العلامة ابن ضويان الحنبلي في كتابه (منار السبيل) وقد لخص فيه ما جاء في (المغني ) لابن قدامة في هذه القضية :
(ومن قتل شخصا في داره ، وادعى أنه دخل لقتله أو أخذ ماله ، أو وجده يفجر بأهله ، فأنكر الولي: فعليه القود (أي القصاص) ، لأن الأصل عدم ذلك. قال في المغنى : ولا أعلم فيه مخالفا .
وروى عن علي ، رضي الله عنه ( أنه سئل عمن وجد مع إمرأته رجلا فقتله ، فقال: إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته.
فإن اعترف الولي بذلك فلا قصاص ولا دية ، لاعتراف الولي بما يهدر الدم. ولما روي عن عمر رضي الله عنه (أنه كان يوما يتغدى ، إذ جاء رجل يعدو، وفي يده سيف ملطخ بالدم ، ووراءه قوم يعدون خلفه، فجاء حتى جلس مع عمر، فجاء الآخرون ، فقالوا: يا أمير المؤمنين إن هذا قتل صاحبنا ، فقال له عمر: ما تقول ؟ فقال : يا أمير المؤمنين إني ضربت فخذي امرأتي، فإن كان بينهما أحد فقد قتلته ! فقال: ما تقولون ؟ قالوا : يا أمير المؤمنين إنه ضرب بالسيف، فوقع في وسط الرجل وفخذي المرأة ، فأخذ عمر سيفه فهزه ، ثم دفعه إليه ، وقال : إن عادوا فعد ) رواه سعيد .
هذا ما ذكرته كتب الفقه بالنسبة لقتل المعتدي على زوجته في هذه الحالة وبهذه الضوابط .

وماعدا ذلك فالأصل في الجريمة: أنها سواء في حق الرجال والنساء، وليس في الشرع أن العمل الواحد يكون جريمة، بل جريمة كبيرة، بل كبرى ، في حق المرأة ، ولكنه لا يجرّم ولا يعاقب في حق الرجل، وهذا ليس من منطق الإسلام في شيء . كما نرى الرجل يزني ابنه فلا يتمعض وجهه ولا ينكر عليه ، وتزني ابنته فتثور ثائرته ، ويرى إنها ارتكبت ما يوجب قتلها، والعمل محرّم على الابن والبنت معا .

أجل، إن الزنى حرام في حق الرجال والنساء جميعا، وهو كبيرة من الكبائر بغض النظر عن جنس من ارتكبه ، يقول تعالى : ( ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة ، وساء سبيلا ) الإسراء: 32 .

وفي جرائم الشرف تقع جملة من الأخطاء الشرعية :
أولا:  التفرقة بين الرجال والنساء ، أو بين الأبناء والبنات ، فلا يوجه الآباء أو الاخوة كلمة لوم واحدة إلى الفتى الزاني ، ويقتلون البنت الزانية .

ثانيا: أنهم يحكمون بالقتل على الفتاة البكر ، وعقوبتها الشرعية – لو ثبت عليها الزنى بالبينة أو الإقرار الحر اربع مرات – هو الجلد .

ثالثا :أنهم كثيرا ما يحكمون عليها بكبيرة الزنى ، وهي لم تزن ، بل ربما كان لقاء بينها وبين رجل ، اقتصرا في لقائهما على المقدمات ، ولم ينتهيا إلى النتائج. أي بقيا في مرتبة ” إلا اللمم ” والله تعالى يقول في وصف المحسنين: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ) النجم : 31 ، ويقول: ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ) النساء : 31. وهذا الذي يعتبرصغيرة لا شك أنه حرام ، ولكنه لا يوجب القتل ، بل لايبيح القتل .

رابعا: أنهم كثيرا ما يأخذون بالإشاعات ، ويصدقون الاتهامات الباطلة، ولا يحققون فيها تحقيقا قضائيا عادلا مثبتا ، ناسين أو متناسين: أن الأصل في الإنسان السلامة، وفي المتهم البراءة ، وخصوصا في قضية (الزنى) التي شدد الشرع في إثباتها تشديدا لا نظير له ، فاشترط أربعة شهود عدول ، يرون عملية الزنى بوضوح ينفي كل احتمال ، ويقطع كل شبهة .
الحقيقة: أنهم يعطون أنفسهم: سلطة المفتي والمحقق والقاضي والشرطي جميعا !!

ولا غرو أن يقعوا في أخطاء جسيمة ، كثيرا ما تتبين لهم ، بعد تنفيذ العقوبة على الفتاة ، ووقوع الفأس على الرأس ، وحينئذ يندمون حيث لا ينفع الندم .

والواجب في هذه القضية: الوقوف عند حدود الله تعالى، والتقيد بأحكام شرعه، وتغليبها على الأعراف القبلية التي كثيرا ما يحكمها الشطط والتجاوز والتعدي (أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) المائدة: 5.

ومما ينبغي أن يذكر هنا: أن القاتل إذا كان هو الأب: لا يحكم عليه بالقصاص شرعا ؛ لأنه لا يقتل والد بولده . كما هو مذهب الفقهاء .

وإذا كان القاتل هو الأخ فلا بد أن يوافق جميع أولياء الدم على طلب القصاص ، فإذا عفا واحد منهم عن حقه : سقط القصاص . ويبعد جدا في مثل هذه الحالة : أن يوافق الأب إن كان حيا ، أو الأخوة جميعا على القصاص من أخيهم الذي لم يرتكب جريمته إلا دفاعا عن شرفهم . وحتى لا تتضاعف الخسارة عليهم ، فتفقد العائلة اثنين بدل فقد واحد .
وفي هذه الحالة تنتقل العقوبة من القصاص إلى التعزير المفوض إلى المحكمة ، فتحكم عليه بالسجن المدة التي تراها .
وبهذا نرى:التخفيف هنا قائم ، بحكم طبيعة الجريمة واطارها وظروفها .

ومن المتعذر أن نحكم بالإعدام ـ أو ينفذ الحكم به ـ وفق أحكام الشريعة ، لاشتراط إجماع أولياء الدم على القصاص من القاتل . ومن الصعب جدا أن يتحقق هذا الإحماع .