إن النفس التي يشتكي منها الإنسان هي النفس اللوامة الطموح ، التي لا تقنع بما عندها ، ولا تسكت على ما بها من فتور ، بل إنها تلوم نفسها على الصغير والكبير حتى تترقى في مراتب الكمال.

وإن توبيخ الإنسان لنفسه لدليل على استقامتها لا على خستها ، وما يشعر به الإنسان من فتور أثناء بعض العبادات لمما يصاب به الناس جميعا ، ورحم الله سيدنا حنظلة الأسيدي رضي الله عنه: قال لقيني أبو بكر رضي الله عنه وقال: “كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله، ما تقول؟ قلت: نكون عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يذكِّرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عنده عافسنا – لاعبنا وخالطنا – الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا! فقال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا. قال حنظلة: فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال: وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافَسْنا الأزواج والأولاد والضيعات ونسينا كثيرا. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة – وكررها ثلاثا” رواه مسلم في صحيحه.

ونعلم أن المسلم سيقول : لكنني لست كحنظلة ، أنا فعلا سيئ ، ولا أكاد أشعر بالساعة التي كان عليها حنظلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكل ساعاتي الساعة التي أنكرها حنظلة في نفسه.

فنقول له أكثر من الصحبة الصالحة ، فإنها تعين على الخير ، وتذكر به، كما ننصح المسلم بالإدمان في مطالعة سير السلف الصالح ، فسيرتهم خير حاد للنفس إلى الله ، وسيرتهم تغرس في النفس غيرة مما تطالع فتنطلق هادرة إلى الله تعالى.

وثمة سلاح آخر أهم من ذلك كله ، هو أن يستعين بالله عز وجل ، ويسأله أن يحببه في طاعته، وأن يبغض إليه المعصية ، وأن يجعل قرة عينه في طاعته، وأن يقوم إلى الله تعالى في ساعات السحر ، ويناجيه ويطلب منه بقلب خاشع مفتقر أن لا يدعه إلى نفسه ولا يكله إليها طرفة عين.