معنى فتح المأموم على الإمام تنبيهه إلى ما يقرؤه من السور أو الآيات بعد قراءة الفاتحة، وهذا التنبيه قد يكون تصحيحًا لخطأ في القرءان وقد يكون تذكيرًا له بما يريد أن يقرأه، وهو مشروع.
والأصل في ذلك حديث رواه أبو داود عن مسور بن يزيد المالكي قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فترك آية، فقال له رجل: يا رسول الله آية كذا وكذا، فقال “فهلا ذكرتنيها” وفي رواية له عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه، فلما انصرف قال لأبى “أصليت معنا؟” قال: نعم، قال “فما منعك”؟
وإسناده جيد كما قال الخطابي.
والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك آية فظن مسور أنها نسخت، فذكر له النبي صلى الله عليه وسلم أنها لم تنسخ وكان يود أن يذكره إياها. ومعنى “لبس” بفتح اللام والباء، التبس واختلط.
جاء في نيل الأوطار للشوكاني “ج2 ص339” أن الحديثين يدلان على مشروعية الفتح على الإمام، وقال أبو حنيفة في رواية عنه: إنه مكروه ودليله ما أخرجه أبو داود عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا علي لا تفتح على الإمام في الصلاة” وأخرجه عبد الرازق في مصنفه، وهو مطعون فيه، ولا يعارض ما ورد في مشروعية الفتح.
وجاء في المغني لابن قدامة “ج1 ص711” أن الفتح على الإمام إذا أرتج عليه أو غلط فرد عليه لا بأس به في الفرض والنفل، روي ذلك عن عثمان وعلي وابن عمر رضي الله عنهم، وكذلك بعض التابعين كالحسن وابن سيرين، وكرهه ابن مسعود من الصحابة، وشريح والشعبي. وقال أبو حنيفة: تبطل الصلاة به، وذكر الأحاديث السابقة ثم ذكر ابن قدامة أن الإمام إذا أرتج عليه في الفاتحة لزم من وراءه الفتح عليه، كما لو نسي سجدة لزمهم تنبيهه بالتسبيح، فإن عجز عن إتمام الفاتحة فله أن يستخلف من يصلي بهم لأنه عذر كما لو سبقه الحدث.
وجاء في فقه المذاهب الأربعة ما خلاصته:
1 – أن الحنفية قالوا: إذا نسي الإمام الآية كأن توقف في القراءة أو تردد فيها فإنه يجوز للمأموم الذي يصلي خلفه أن يفتح عليه، ولكنه ينوي إرشاد إمامه لا التلاوة، لأن القراءة خلف الإمام مكروهة تحريمًا.
ويكره للمأموم المبادرة بالفتح على الإمام، كما يكره للإمام أن يلجئ المأموم على إرشاده، بل ينبغي له أن ينتقل إلى آية أخرى أو سورة أخرى، أو يركع إذا قرأ القدر المفروض والواجب.
2 – والمالكية قالوا: يفتح المأموم على إمامه إ ذا وقف عن القراءة وطلب الفتح بأن تردد في القراءة، أما إذا وقف ولم يتردد فإنه يكره الفتح عليه، ويجب الفتح عليه في الحالة الأولى إن ترتب عليه تحصيل الواجب لقراءة الفاتحة، ويسن إن أدى إلى إصلاح الآية الزائدة عن الفاتحة، ويندب إن أدى إلى إكمال السورة الذي هو مندوب.
3 – والشافعية قالوا: يجوز للمأموم أن يفتح على إمامه بشرط أن يسكت عن القراءة، أما إذا تردد في القراءة فإنه لا يفتح عليه ما دام مترددًا، ولا بد لمن يفتح على إمامه أن يقصد القراءة وحدها، أو يقصد القراءة مع الفتح وحده، أما إن قصد الفتح وحده، أو لم يقصد شيئًا أصلاً فإن صلاته تبطل على المعتمد.
4 – الحنابلة قالوا: يجوز للمصلي أن يفتح على إمامه إذا أرتج عليه (أي منع من القراءة) أو غلط فيها، ويكون الفتح واجبًا إذا منع الإمام من القراءة أو غلط في الفاتحة، لتوقف صحة الصلاة على ذلك.
هذا، ولعل ما نقلته من فقه المذاهب الأربعة يوضح ما نقلته عن نيل الأوطار للشوكاني وعن المغني لابن قدامة. واختلاف الآراء رحمة، لأنه يتيح الفرصة للأخذ بأحدها دون تعصب.