الصلاة هي ركن الإسلام الثاني، بعد كلمة التوحيد، وهي الفاصل بين الإسلام والكفر، للحديث: “بين الرجل والكفر ترك الصلاة”، فمن العلماء من قطع بأن تارك الصلاة كافر، على أي حال يكون، ومنهم من فرق بين أن يكون التارك لها كسلاً، أو جحودًا وإنكارًا، فجعلوا التارك للصلاة كسلاً فاسقًا فسوقًا لا يخرجه من ملة الإسلام، وأما إذا كان التارك لها جحودًا فهو كافر، وذهبوا إلى أن تارك الصلاة يقتل، ولا يغسل، ولا يكفن، ولا يقبر في مقابر المسلمين.

وذكر ابن القيم حادثة أن رجلاً دفن أختًا له فلما انتهى من دفنها تذكر أنه قد سقطت محفظته أثناء الدفن في القبر، فحفر قبر أخته فرآها تشتعل نارًا، أعاد التراب عليها، وذهب إلى أمه يسألها عما كانت تفعل أخته حتى استحقت ذلك العذاب، فبكت ثم قالت: إنها كانت تصلي من غير وضوء، وكانت تتسمع إلى الجيران، أي تنقل أخبارهم، كما جاء كتاب “الروح” لابن القيم.

وعذاب القبر لتارك الصلاة من المسائل التي يخوض بها معظم الناس، وتارك الصلاة من باب الجحود لوجوبها يُعدّ كافرًا، ومن مات على ذلك فهو كافر وخارج من الملّة بإجماع جمهور العلماء، ومن المعروف أن الكافر يُعذّب في قبره، أمّا إن كان تاركّا للصلاة بسبب التكاسل فهو ليس بكافر، وذلك بإجماع أهل العلم باستثناء الحنابلة، أما ترك الصلاة وعدم أدائها وتضييعها فهو أحد أسباب عذاب القبر، والالتزام بها والحفاظ عليها من طرق النجاة من عذاب القبر، وكما ورد في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- أنّ الكافر يضغط عليه القبر فتختلف أضلاعه، ويُرى مقعده من جهنّم ليلًا ونهارًا، وهذه هي عقوبة تارك الصلاة في القبر، وصوره من صور عذاب القبر لتارك الصلاة أما المُصلّي فإن صلاته تُدافع عنه وتكون عند رأسه، أمّا ما ذُكر عن عذاب القبر لتارك الصلاة بشكلٍ تفصيليّ في أحاديث موضوعة فلا أساس له من الصحة، فشأن الصلاة عظيمٌ جدًا، وتركها ذنبٌ عظيم ويُعدّ من أكبر الكبائر، كما أنّ الإثم المترتب على تركها أعظم من إثم الزنا وقتل النفس، وأكبر من إثم شرب الخمر والربا والسرقة، وهذا بإجماع جمهور العلماء؛ وذلك لأنّ تركها يُعدّ تهاونًا في حق الله تعالى، وهي أوّل ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة، والقبر هو أولى منازل الآخرة.

ومن عقوبات ترك الصلاة أنّ نفس الإنسان تفسد وتتعرض للإهمال، لأنّ ترك الصلاة من المعاصي، والمعصية تترك أثرها السيء على صاحبها فتنقطع النعم عنه ويسقط جاه العاصي وتسقط كرامته ومنزلته عندَ الله، وتسقط هيبته في قلوب العباد، ومن أهمّ العقوبات التي تلحق بتارك الصلاة أيضًا: سوء الخاتمة، والمعيشة الصعبة المليئة بالضنك.

يوجد حديث للرسول -عليه الصلاة والسلام- حول عذاب القبر وكيف أنّ العبادات تُدافع عن المؤمن عندما يُوضع في قبره، ففي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، فإن كان مؤمنًا كانت الصلاة عند رأسه وكان الصيام عن يمينه وكانت الزكاة عن شماله وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة ما قبلي مدخل، ثم يؤتي من قبل رجليه فتقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس ما قبلي مدخل، فيقال له اجلس فيجلس وقد مثلت له الشمس وقد أدنيت للغروب فيقال له أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه، وماذا تشهد به عليه، فيقول: دعوني حتى أصلي فيقولون إنك ستفعل أخبرني عما نسألك عنه أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه وماذا تشهد عليه، قال: فيقول: محمد أشهد أنه رسول الله وأنه جاء بالحق من عند الله، فيقال له: على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله، ثم يفتح له باب من أبواب الجنة، فيقال له: هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها فيزداد غبطة وسروراً، ثم يفتح له باب من أبواب النار، فيقال له: هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها لو عصيته فيزداد غبطة وسرورًا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعًا وينور له فيه ويعاد الجسد لما بدأ منه فتجعل نسمته في النسم الطيب وهي طير يعلق في شجر الجنة، قال فذلك قوله تعالى: “يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة” إلى آخر الآية.

قال: وإن الكافر إذا أتي من قبل رأسه لم يوجد شيء ثم أتي عن يمينه فلا يوجد شيء ثم أتي عن شماله فلا يوجد شيء ثم أتي من قبل رجليه فلا يوجد شيء، فيقال له: اجلس فيجلس خائفًا مرعوبًا، فيقال له: أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ماذا تقول فيه وماذا تشهد به عليه، فيقول أي رجل، فيقال الذي كان فيكم فلا يهتدي لاسمه حتى يقال له محمد فيقول ما أدري سمعت الناس قالوا قولًا فقلت كما قال الناس، فيقال له: على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله ثم يفتح له باب من أبواب النار فيقال له: هذا مقعدك من النار وما أعد الله لك فيها فيزداد حسرة وثبورًا، ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له: ذلك مقعدك من الجنة وما أعد الله لك فيه لو أطعته فيزداد حسرة وثبوراً ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه فتلك المعيشة الضنكة التي قال الله فإن له معيشة ضنكًا ونحشرة يوم القيامة أعمى .

يُوضّح هذا الحديث الشريف عذاب القبر ونعيمة بصورة عامة دون أن يُخصص عذاب القبر لتارك الصلاة، لأنّ عذاب القبر لتارك الصلاة بشكلٍ تفصيلي لا يعلمه إلّا الله تعالى والأحاديث المتواردة عن عذاب القبر لتارك الصلاة معظمها أحاديث موضوعة، ويجب التأكد من صحتها قبل تداولها.