تربية النشئ أمانة عظيمة، والواجب على ولي الأمر أو المعلم أن يسلك كل طريق من أجل إصلاح الصغار وتأديبهم حتى يشبوا على جميل الصفات، ومكارم الأخلاق، وإذا كان الضرب يجدي في إصلاح الصغير وتقويمه فيجوز ضربه، بل يكون واجبا إذا لم يستقم إلا بذلك.
وإليك فتوى فضيلة الدكتور حسام الدين عفانة -أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
إن طرق وأساليب تربية الصغار كثيرة، و منها الضرب، والمقصود به الضرب غير المبرح ، والضرب بشكل عام عقوبة يجوز استعمالها شرعاً، فقد شرع الضرب في الحدود وفي التعزير، وشرع ضرب الزوج لزوجته في حال النشوز، وشرع ضرب الأولاد تأديباً لهم على ترك الصلاة وغير ذلك من الحالات، ولكن ضرب الأولاد يحتاج إلى تفصيل وتوضيح .
فلا يجوز للمدرس أن يضرب الولد لمجرد وقوع المخالفة منه، وإنما يلجأ إلى الضرب بعد أن يستنفد أساليب التربية الأخرى فالأصل في معاملة الأولاد والطلاب اللين والرحمة بهم والرفق بهم ثم يتدرج المربي من الأخف إلى الأشد إن لم ينفع الأخف كوسيلة للتربية، فعلى المربي أن يرشد الطالب إلى الخطأ بالتوجيه كما ثبت في الحديث عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال :( كنت غلاماً في حجر الرسول ﷺ وكانت يدي تطيش في الصحفة – تتحرك في وعاء الطعام فيأكل من عدة أماكن-فقال لي رسول الله ﷺ : يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ) رواه البخاري ومسلم .
كما أن على المربي أن يرشد الطالب إلى الخطأ بالملاطفة أو بالإشارة ويجوز للمربي أن يوبخ الطالب المخطئ بالكلام الهادئ أولاً ويجوز أن يعنفه بشدة فإذا لم تفلح هذه الأساليب ولم تأت بالثمرة المرجوة منها فحينئذ يجوز استعمال الضرب كوسيلة من وسائل التربية وتقويم السلوك فقد ورد في الحديث قول الرسول ﷺ ( مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ) رواه أبو داود والترمذي وهو حديثٌ حسن .
والضرب المقصود هو الضرب غير المبرح وغير المؤلم، وخاصة إذا كان الطالب قد وقع في الخطأ للمرة الأولى، ولا يجوز الضرب على الوجه أو الرأس والمواضع الحساسة من الجسم حتى لا يلحق الضرر بالمضروب .
وينبغي للمربي ألا يضرب وهو في حالة الغضب لئلا يفقد السيطرة على نفسه فيضرب الطالب ضرباً مبرحاً يلحق به الأذى .
كما أن بعض الفقهاء منعوا الضرب أكثر من ثلاث مرات كأن يضربه ثلاثة أسواط لقوله ﷺ لمرداس المعلم : إياك أن تضرب فوق الثلاث , فإنك إن ضربت فوق ثلاث اقتص الله منك، وأجاز بعض الفقهاء الضرب عشرة أسواط .
وينبغي أن يعلم أن الدعوة إلى إلغاء عقوبة الضرب في المدارس وإلغاء ذلك فعلياً قد أثر على العملية التعليمية تأثيراً سلبياً؛ لأن كثيراً من الطلاب لا يستقيم حالهم، ولا يصلح أمرهم إلا بالعقوبة أو الخوف منها وهذا أمرٌ طبيعي في الإنسان رغم كل ما يدعيه دعاة إلغاء الضرب من مبررات لإلغائه وإن حصول بعض التجاوزات من بعض المعلمين بضرب الطالب ضرباً مبرحاً قد ينتج عنه ضرر به لا يعني إلغاء الضرب نهائياً ، ومن المتفق عليه بين الفقهاء أنه لا يجوز التأديب بقصد الإتلاف، ومن وقع منه ذلك، فإنه يتحمل المسؤولية . أ.هـ
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ما يلي:
اتفق الفقهاء على أنه يجب على الولي تأديب الصبي لترك الصلاة والطهارة , ولتعليم الفرائض ونحو ذلك , وذلك بالقول إذا بلغ سبع سنين , وبالضرب إن لزم لإصلاحه إذا بلغ عشرا , لحديث: (علموا الصبي الصلاة لسبع سنين , واضربوه عليها ابن عشر سنين).
ويؤدب الصبي بالأمر بأداء الفرائض والنهي عن المنكرات بالقول , ثم الوعيد , ثم التعنيف , ثم الضرب , إن لم تجد الطرق المذكورة قبله , ولا يضرب الصبي لترك الصلاة إلا إذا بلغ عشر سنين . لحديث : { مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين , واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين , وفرقوا بينهم في المضاجع } . ولا يجاوز ثلاثا عند الحنفية والمالكية والحنابلة . وهي أيضا على الترتيب , فلا يرقى إلى مرتبة إذا كان ما قبلها يفي بالغرض وهو الإصلاح .