يُقدّر أهلُ البلاد التي يَطول فيها النهار عن حدِّ الاعتدال وقتًا مُعتدلًا، فيَصوموا قدْرَ الساعات التي يَصومها المسلمون في أقرب البلاد المُعتدلة لهم، أو يَتَّخذوا من مواقيت البلاد المُعتدلة التي نزَل فيها التشريع الإسلاميُّ مكة أو المدينة مِعيارًا للصوم.

ويبدأ الصوم بالنسبة لهم مِن طُلوع الفجر الصادق عندَهم حسب مَوقعهم على الأرض، دون نظرٍ إلى طول النهار وقِصَرِ الليل بالنسبة لهم، ودُون نَظرٍ إلى غروب الشمس.

يقول الدكتور نصر فريد واصل “مفتي جمهورية مصر العربية الأسبق” :

قال الله تعالى في كتابه الكريم: (يا أيُّها الذينَ آمَنُوا كُتِبَ عليكمُ الصيامُ كما كُتبَ على الذينَ مِن قَبْلِكمْ لعلَّكمْ تَتَّقُون. أيَّامًا مَعدوداتٍ فمَن كانَ مِنكمْ مَرِيضًا أو علَى سفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أيَّامٍ أُخَرَ وعلَى الذينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طعامُ مِسكينٍ فمَن تَطَوَّعَ خَيرًا فهوَ خيرٌ لهُ وأنْ تَصومُوا خيرٌ لكمْ إنْ كُنتُمْ تَعلمونَ) (البقرة: 183 ـ 184).

بهذه النصوص القرآنية فرَض الله ـ سبحانه وتعالى ـ صومَ شهر رمضان على المسلمين، فهو خطاب لجميع المسلمين في كل زمان ومكان، ولم يَقصد الإسلام بتكاليفه للناس عَنَتًا ولا إرهاقًا ولا مشقَّةً (ومَا جَعَلَ عليكم في الدِّينِ مِن حَرَجَ) (الحج: 78).

ولمَّا كان الصوم مَوقوتًا هكذا بالشهر وباليوم، وكان الخِطاب مُوجَّهًا إلى المسلمين أيًّا كان موقعهم على أرض الله دون تَفْرقةٍ بين جهة يَطول ليلُها أو يَقصُر، وَجَبَ على الجميع صومُه متى تَحقَّقت فيهم شُروطه التي بيَّنها الله ـ سبحانه وتعالى ـ في آيات الصوم وأوضَحها الرسول في أحاديثه وعمِلِه وتَقريرِه.

ولمَّا ظهَر بعد الرسالة أن على الأرض جِهاتٍ يَطول فيها النهار حتى لا يَكون ليلُها إلا جُزءًا يَسيرًا، أو يَطول ليلُها حتى لا يَكون النهار فيها إلا ضوءًا يَسيرًا، وجهاتٍ يستمر فيها الليل نصف العام بينما يَستمر النهار النصف الآخر ـ لمَّا ظهَر هذا الاختلاف في مَواقيتِ العبادات في تلك البلادِ وهل تَتوقَّف على وُجود العلاقات الشرعيَّة من طُلوع الفجر الصادق إلى غُروب الشمس أو يُقدر ويُحسب لها بعدَد الساعات؟

ففي بعض البلاد النهار يَطول كمثل نيوزيلندا عن حدِّ الاعتدال حتى يُقاربَ تِسْعَ عشرةَ ساعة مما يُسبب إرهاقًا شديدًا للمسلمين في صِيامهم، لذا فإننا نرى :

(1) أن يُقدِّر أهل هذه البلاد للصيام وقتًا مُعتدلًا، فيَصوموا قدْر الساعات التي يَصومها المسلمون في أقرَبِ البلاد المُعتدلة لهم.

(2) أو يَتَّخِذوا من مَواقيت البلاد المعتدلة التي نزَل فيها التشريع الإسلاميُّ مكة والمدينة مِعيارًا للصوم قدْرَ الساعات التي يَصومُ المسلمون في واحدة مِن هاتَينِ المدينتَينِ.

لكن على أن يَبدأ الصوم بالنسبة لهم مِن طُلوع الفجر الصادق حسب مَوقعهم على الأرض، دون نظَرٍ إلى طول النهار وقِصَر الليل بالنسبة لهم، وأيضًا دون نَظر إلى غروب الشمس أو اختفاء الضوء لدُخول الليل.

أي تكون مدة صيامهم متساوية مع أقرب البلاد الإسلامية لهم أو مكة والمدينة، وهذا ليس بعَسير، وفي الإمكان الوقوفُ عليه بسهولة ويُسر بعد التقدم الهائل في وسائل الاتصال وامتثالًا لأوامر الله وإرسائه في القرآن الكريم: (يُريدُ اللهُ بكمُ اليُسرَ ولا يُريدُ بكمُ العُسْرَ) (البقرة: 185) وقوله تعالى : (لا يُكلِّفُ اللهُ نفسًا إلا وُسْعَها) (البقرة: 286).