أصحاب الحرف الشاقة إذا كان الصوم فيه مشقة زائدة بالنسبة لهم بحيث لا يمكن للعامل أداء عمله حال كونه صائما، وهو محتاج إلى هذا العمل ولا يمكنه أداء هذا العمل ليلا، ففي هذه الحالة يجوز للعامل أن يفطر في رمضان، ويقضي ما فاته من أيام الصوم، وإذا كان لا يجد متسعا من الوقت للقضاء، فهو في عمل مستمر، فيكفيه الفدية فيطعم عن كل يوم مسكينا.

والذي نود أن نشير إليه بهذا الصدد أن مسألة المشقة الزائدة بالنسبة لأصحاب الحرف الشاقة أمر نسبي فالحكم ليس عاما بمعنى أن كل صاحب حرفة شاقة يجوز له الفطر، فقد يكون هناك اثنين يعملان في حرفة واحدة كالخباز مثلا، فيجوز الفطر لأحدهما ويحرم الفطر على الآخر، فالأول الصوم بالنسبة له فيه مشقة زائدة ولا يقوى على أداء عمله حال كونه صائما، فلذا جاز له الفطر، والثاني يمكنه أداء عمله دون أن يشق ذلك عليه، فلذا يحرم عليه الفطر.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:

صيام رمضان فرض على كل مسلم مكلف , ولا يعفى من أداء الصيام في وقته إلا أصحاب الأعذار المرخص لهم في الفطر كالمريض والمسافر.
أما بالنسبة لأصحاب الحرف فمفاد نصوص الفقهاء أنه إن كان هناك حاجة شديدة لعمله في نهار رمضان , أو خشي تلف المال إن لم يعالجه , أو سرقة الزرع إن لم يبادر لحصاده , فله أن يعمل مع الصوم ولو أداه العمل إلى الفطر حين يخاف الجهد . وليس عليه ترك العمل ليقدر على إتمام الصوم , وإذا أفطر فعليه القضاء فقط .

وفيما يلي بعض النصوص في ذلك : فقد نقل ابن عابدين –من فقهاء الحنفية– عن الفتاوى: سئل علي بن أحمد –من فقهاء الحنفية- عن المحترف إذا كان يعلم أنه لو اشتغل بحرفته يلحقه مرض يبيح الفطر وهو محتاج للنفقة هل يباح له الأكل قبل أن يمرض فمنع من ذلك أشد المنع , وهكذا حكاه عن أستاذه الوبري .

وسئل أبو حامد عن خباز يضعف في آخر النهار هل له أن يعمل هذا العمل قال : لا , ولكن يخبز نصف النهار ويستريح الباقي , فإن قال لا يكفيه كذب بأيام الشتاء فإنها أقصر فما يفعله فيها يفعله اليوم . وقال الرملي في جامع الفتاوى : لو ضعف عن الصوم لاشتغاله بالمعيشة , فله أن يفطر ويطعم لكل يوم نصف صاع إذا لم يدرك عدة من أيام أخر يمكنه الصوم فيها وإلا وجب عليه القضاء .

وعلى هذا الحصاد إذا لم يقدر عليه مع الصوم ويهلك الزرع بالتأخير , لا شك في جواز الفطر والقضاء , وكذا الخباز وفي تكذيبه نظر , فإن طول النهار وقصره لا دخل له في الكفاية.

قال ابن عابدين –من فقهاء الحنفية-: والذي ينبغي في مسألة المحترف – حيث كان الظاهر أن ما مر من تفقهات المشايخ لا من منقول المذهب – أن يقال : إذا كان عنده ما يكفيه وعياله لا يحل له الفطر , لأنه يحرم عليه السؤال من الناس فالفطر أولى , وإلا فله العمل بقدر ما يكفيه , كأن يعلم أن صيامه مع العمل سيؤديه إلى الفطر يحل له إذا لم يمكنه العمل في غير ذلك مما لا يؤديه إلى الفطر , وكذا لو خاف هلاك زرعه أو سرقته ولم يجد من يعمل له بأجرة المثل وهو يقدر عليها .

ولو آجر نفسه في العمل مدة معلومة فجاء رمضان فالظاهر أن له الفطر , وإن كان عنده ما يكفيه إذا لم يرض المستأجر بفسخ الإجارة , كما في الظئر فإنه يجب عليها الإرضاع بالعقد , ويحل لها الإفطار إذا خافت على الولد فيكون خوفه على نفسه أولى .

وفي التاج والإكليل -من كتب المالكية : نقل ابن محرز عن مالك في الذي يعالج من صنعته فيعطش فيفطر , فقال : لا ينبغي للناس أن يتكلفوا من علاج الصنعة ما يمنعهم من الفرائض وشدد في ذلك .

فقال ابن محرز : يحتمل أن يكون إنما شدد في ذلك لمن كان في كفاية من عيشه أو كان يمكنه من التسبب ما لا يحتاج معه إلى الفطر , وإلا كره له . بخلاف رب الزرع فلا حرج عليه .

وفي نوازل البرزلي –من فقهاء المالكية-: الفتوى عندنا أن الحصاد المحتاج له الحصاد , أي ولو أدى به إلى الفطر وإلا كره له , بخلاف رب الزرع فلا حرج عليه مطلقا لحراسة ماله , وقد نهى عن إضاعة المال .

وفي حاشية الجمل من كتب الشافعية : يباح ترك الصوم لنحو حصاد , أو بناء لنفسه أو لغيره تبرعا أو بأجرة , وإن لم ينحصر الأمر فيه وقد خاف على المال إن صام وتعذر العمل ليلا , أو لم يكفه فيؤدي لتلفه أو نقصه نقصا لا يتغابن بمثله . هذا هو الظاهر من كلامهم , ويؤيده إباحة الفطر لإنقاذ محترم , خلافا لمن أطلق في نحو الحصاد المنع , ولمن أطلق الجواز . ولو توقف كسبه لنحو قوته المضطر إليه هو أو ممونه على فطره , فظاهر أن له الفطر لكن بقدر الضرورة .

وفي كشاف القناع –من كتب الحنابلة-: قال أبو بكر الآجري : من صنعته شاقة فإن خاف بالصوم تلفا أفطر وقضى إن ضره ترك الصنعة , فإن لم يضره تركها أثم بالفطر ويتركها , وإن لم ينتف التضرر بتركها فلا إثم عليه بالفطر للعذر .