من القصص المشهورة بل والمشهورة جدًاً ، قصة الصحابي الجليل ثعلبة بن حاطب رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع خلفائه أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم .
ومع أن هذه القصة ضعيفة من ناحية إسنادها ، ومنكرة من ناحية متنها ، ومع أنه نبه على ضعفها الكثير من أهل العلم قديماً وحديثاً ، إلا أن كثيرًاً من الوعاظ والمفسرين ذكرها دون أن يقرن ذلك بضعفها .

وملخص هذه القصة :
جاء ثعلبة بن حاطب الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً ، فقال : ” ويحك يا ثعلبة ، قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ” ، ثم جاءه بعد مدة وكرر عليه القول فقال له : ” أمالك فيّ أسوة حسنة ، والذي نفسي بيده لو أردت أن تسير الجبال معي ذهباً وفضة لسارت ” ، ثم جاءه بعد مدة وكرر عليه القول وقال : والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالاً لأعطين كل ذي حق حقه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” اللهم ارزق ثعلبة مالاً ” ، فاتخذ غنماً فنمت كما ينمو الدود ، فكان يصلي مع رسول الله الظهر والعصر ويصلي عند غنمه باقي الصلوات ، ثم أصبح لا يشهد مع رسول الله سوى الجمعة ، ثم كثرت غنمه وزادت فتقاعد حتى لا يشهد الجمعة ولا الجماعة .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم : ” ما فعل ثعلبة ؟ ” فقيل له : اتخذ غنماً لا يسعها وادٍ ، فقال : ” يا ويح ثعلبة ، يا ويح ثعلبة ، يا ويح ثعلبة ” ، فلما وجبت الزكاة أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم رجلان ليجمعا الصدقة وقال لهما : ” مُرا بثعلبة بن حاطب وبرجل من بني سُليم فخذا صدقاتهما ” .
فمرا على حاطب وأمراه بدفع الزكاة فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أخت الجزية ، وطلب منهما العودة إليه عند الفراغ من جمعها ، فذهبا إلى السُلمي فأخرج أطيب ما عنده ، فرجعا إلى حاطب فقال: ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أخت الجزية ، اذهبا حتى أرى رأيي ، فأقبل الرجلين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قبل أن يسألهما : ” يا ويح ثعلبة ” ودعا للسُلمي بخير ، فأنزل الله قوله : ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن …- إلى قوله – وبما كانوا يكذبون ) التوبة 75 ،
فذهب رجل من أقارب ثعلبة يخبره بأن الله أنزل فيه قرآناً ، فخرج ثعلبة حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يقبل صدقته فقال : ” إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك ” ، فجعل يحثي التراب على رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني ” .
فلما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاء أبو بكر حين استخلف ، فجاء ثعلبة بصدقته فلم يأخذها أبو بكر ، وكذلك حين استخلف عمر لم يأخذها منه ، وكذلك عثمان حين استخلف رضي الله عن الجميع .
ومات ثعلبة في خلافة عثمان رضي الله عن الجميع .

أخرج هذه القصة ابن جرير الطبري في ” تفسيره ” ( 14 / 370 – رقم 16987 ) ، والطبراني في ” المعجم الكبير ” ( 8 / 260 – برقم 7873 ) ، والواحدي في ” أسباب النزول ” ص252 ، كلهم من طريق :
معان بن رفاعة عن أبي عبد الملك علي بن يزيد الألهاني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه ، ثم ذكروا القصة .
وعلي بن يزيج هذا ، اتفقت كلمة الحفاظ على ضعفه ،
والقصة مروية أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما وهي ضعيفة الإسناد كسابقتها .
ورُويت عن الحسن رحمه الله وهي مرسلة .
قد ضعفها من أهل العلم :
1. الإمام ابن حزم .
2. الحافظ البيهقي .
3. الإمام القرطبي .
4. الحافظ الذهبي .
5. الحافظ العراقي .
6. الحافظ الهيثمي .
7. الحافظ ابن حجر .
8. العلامة المناوي .
9. العلامة الألباني .

رحمهم الله جميعاً.

– وأما مخالفتها من ناحية المتن فنلخصها في أمرين :

الأول : مخالفتها للقرآن الكريم وللسنة حيث ورد فيهما بقبول توبة التائب ، مهما كان عمله مالم تطلع الشمس من مغربها أو يغرغر ، والقصة تفيد عكس ذلك تماماً .

الثاني : مخالفتها للأحاديث الثابتة الواردة في مانع الزكاة حيث جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مانع الزكاة من الإبل والماشية تُؤخذ منه الزكاة ويُخذ من شطر ماله .
فقد أخرج أحمد ، وأبو داود ، والحاكم عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” في كل سائمة إبل ، في أربعين بنت لبون ، ولا يفرق إبل عن حسابها ، من أعطاها مؤتجراً فله أجرها ومن منعها فإنّا آخذوها ، وشطر ماله ، عزمة من عزمات ربنا عزوجل ، ليس لآل محمد منها شيء ”
قال الحاكم : صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي .
وحسنه الألباني ، انظر ” إرواء الغليل ” 3 / 263 – برقم 791 . أ.هـ