آيات القرآن أنواع كما قال ابن عباس رضي الله عنهما:
منها ما لا يحتاج إلى تفسير ولا تأويل.
ومنها ما يعرف باللغة.
ومنها ما يعرف بتفسير المفسرين.
ومنها ما لا يعلم تأويله إلا الله.
و إن كان هناك شك في تفسير آية، وجب الرجوع إلى كتب التفسير المعتمدة، مع ملاحظة أن يكون الإنسان عالما بهذا الشأن، مبتعدا عن الإسرائيليات والاجتهادات الخاطئة في التفسير.
وقول الله تعالى :”فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك ” لا تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده شك في الوحي ، وهذا بعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل البعد.
فقد نفى الإمام ابن كثير ذلك ، ورأى أن المقصود تثبيت الأمة لأن صفته صلى الله عليه وسلم موجودة في كتبهم ، فقال في تفسير الآية:

قال قتادة بن دعامة: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” لا أشك ولا أسأل ” . وكذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن البصري وهذا فيه تثبيت للأمة وإعلام لهم أن صفة نبيهم صلى الله عليه وسلم موجودة في الكتب المتقدمة التي بأيدي أهل الكتاب كما قال تعالى ” الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ” الآية . ثم مع هذا العلم الذي يعرفونه من كتبهم كما يعرفون أبناءهم يلبسون ذلك ويحرفونه ويبدلونه ولا يؤمنون به مع قيام الحجة عليهم.انتهى

ويرى الإمام القرطبي أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المخاطب ، ولكنه ليس المقصود من الخطاب ،بل المقصود من يشك في نبوته صلى الله عليه وسلم ، فقال :
الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره ، أي لست في شك ولكن غيرك شك . قال أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد : سمعت الإمامين ثعلبا والمبرد يقولان : معنى ” فإن كنت في شك ” أي قل يا محمد للكافر فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ
أي يا عابد الوثن إن كنت في شك من القرآن فاسأل من أسلم من اليهود ، يعني عبد الله بن سلام وأمثاله; لأن عبدة الأوثان كانوا يقرون لليهود أنهم أعلم منهم من أجل أنهم أصحاب كتاب; فدعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن يسألوا من يقرون بأنهم أعلم منهم ، هل يبعث الله برسول من بعد موسى.
وقيل : إن الخطاب لمن لم يكذب الرسول ولا يصدقه ، فقال القتبي: هذا خطاب لمن كان لا يقطع بتكذيب محمد ولا بتصديقه صلى الله عليه وسلم ، بل كان في شك.

وحمل الشك على ضيق الصدر والعجلة لاستجابة الناس على أمر الله ، فجاء الأمر أن يسأل أهل الكتاب عن صبر الأنبياء قبله.
قال الإمام القرطبي:
وقيل : الشك ضيق الصدر ; أي إن ضاق صدرك بكفر هؤلاء فاصبر ، واسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك يخبروك صبر الأنبياء من قبلك على أذى قومهم وكيف عاقبة أمرهم.
والدليل عليه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما نزلت هذه الآية : ( والله لا أشك )

وخرج الإمام الطبري أن شك النبي ليس في الوحي، وإنما شكه في شك أهل الكتاب في نبوته ، فقال:

القول في تأويل قوله تعالى : { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فإن كنت يا محمد في شك من حقيقة ما أخبرناك وأنزل إليك من أن بني إسرائيل لم يختلفوا في نبوتك قبل أن تبعث رسولا إلى خلقه ، لأنهم يجدونك عندهم مكتوبا ويعرفونك بالصفة التي أنت بها موصوف في كتابهم في التوراة والإنجيل ; فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك من أهل التوراة والإنجيل كعبد الله بن سلام ونحوه من أهل الصدق والإيمان بك منهم دون أهل الكذب والكفر بك منهم.انتهى

والخلاصة أن قوله تعالى :” فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك ” ليس المقصود منه شك النبي صلى الله عليه وسلم في الوحي، بل يقصد به شك من يشك في نبوته وإن كان الخطاب لرسول الله، أو شكه في أن أهل الكتاب لا يؤمنون به، أو الخطاب لمن لا يؤمن ولا يشك، أو أن الأمر لا يعدو إلا أن يكون مجرد ضيق صدر لعدم إيمان الناس، فأمره الله أن يسأل أهل الكتاب عن صبر الأنبياء على قومهم، وليس لم يشك النبي صلى الله عليه وسلم في الوحي الذي يتنزل إليه.