يقول الدكتور السيد صقر، المدرس بجامعة الأزهر:

الأولى بالإمامة هو الأجود قراءة ، والأعلم بأحكام الصلاة، حتى لو وجد من هو أصلح وأتقى، إذ التقوى والصلاح أمر خفي لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى، أو أكبر منه سنا، فإن استووا في القراءة والعلم فيقدم من ظاهره الصلاح والتقوى.

وأما من لا يحسن القراءة لجهله بالتجويد لدرجة اللحن فيها فلا تصح إمامته إلا لمثله.

فقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة تبين للمسلمين من هو الأولى بإمامتهم في الصلاة ومن هو الأحق بها ومن ذلك ما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( إِذَا كَانُوا ثَلاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ وَأَحَقُّهُمْ بِالإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ ) رواه مسلم برقم 1077 وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ وَأَقْدَمُهُمْ قِرَاءةً فَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُمْ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا ..” . رواه مسلم 1079

وخلاصة ما دلت عليه هذه الأحاديث أن الأحق بالإمامة هو :

1 – الأقرأ لكتاب الله العالم بفقه صلاته . ولقد كان الأقرأ مقدّماً في عصر الصحابة ، لأنهم كانوا يتعلمون القراءة الصحيحة للآيات ويتعلمون ما فيها من العلم و العمل ، فجمعوا بين العلم والعمل ولم يكتفوا بالحفظ فقط كما هو الحال في زماننا هذا فكم حافظ للقرآن أو لبعضه متقن لتلاوته ، حسن الصوت به ولكنه لا يعلم من فقه صلاته شيئاً.

2 – فإن استووا في القراءة فأعلمهم بالسنة.

3 – فإن استووا فالأقدم هجرة.

4 – فإن استووا أو لم يكن هناك هجرة فالأكبر سناً ، كما دلّ عليه حديث مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ قَالَ أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفِيقًا فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدْ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا أَوْ قَدْ اشْتَقْنَا سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لا أَحْفَظُهَا وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ رواه البخاري برقم 6705،  فلما تساووا في القراءة والعلم والهجرة أمرهم بتقديم الأكبر سناً.

5 – فإن استووا في ذلك فالأتقى لقوله تعالى : ( إن أكرمكم عند الله اتقاكم ) سورة الحجرات.

6 – فإن استووا في الكلّ يقدم أحدهم أو يُقرع بينهم إن تشاحّوا .

ويشترط لصحة الإمامة الأمور التالية ‏:‏

‏ ‏‏1 ‏-‏ ‏(‏ الإسلام ‏)‏ ‏:‏ ‏ اتفق الفقهاء على أنه يشترط في الإمام أن يكون مسلما ‏.‏ وعلى هذا لا تصح الصلاة خلف من هو كافر يعلن كفره ، أما إذا صلى خلف من لا يعلم كفره ، ثم تبين أنه كافر ، فإن الحنفية والحنابلة قالوا ‏:‏ إذا أمهم زمانا على أنه مسلم ، ثم ظهر أنه كان كافرا ، فليس عليهم إعادة الصلاة ، لأنها كانت محكوما بصحتها ، وخبره غير مقبول في الديانات لفسقه باعترافه ‏.‏

‏‏ 2-‏ ‏(‏ العقل ‏)‏ ‏:‏ ‏ ‏يشترط في الإمام أن يكون عاقلا ، وهذا الشرط أيضا متفق عليه بين الفقهاء ، فلا تصح إمامة السكران ، ولا إمامة المجنون المطبق ، ولا إمامة المجنون غير المطبق حال جنونه ، وذلك لعدم صحة صلاتهم لأنفسهم فلا تبنى عليها صلاة غيرهم ‏.‏ ‏‏أما الذي يجن ويفيق ، فتصح إمامته حال إفاقته ‏.‏

‏‏‏3-‏ ‏(‏ البلوغ ‏)‏ ‏:‏ ‏ جمهور الفقهاء ‏(‏ الحنفية والمالكية والحنابلة ‏)‏ على أنه يشترط لصحة الإمامة في صلاة الفرض أن يكون الإمام بالغا ، فلا تصح إمامة مميز لبالغ في فرض عندهم ، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏:‏ ‏{‏ لا تقدموا صبيانكم ‏}‏ ، ولأنها حال كمال والصبي ليس من أهلها ، ولأن الإمام ضامن وليس هو من أهل الضمان ، ولأنه لا يؤمن معه الإخلال بالقراءة حال السر ‏.‏ ‏ ولأن صلاة الصبي نافلة فلا يجوز بناء الفرض عليها ‏.‏ ‏ ‏

أما في غير الفرض كصلاة الكسوف أو التراويح فتصح إمامة المميز للبالغ عند جمهور الفقهاء ‏(‏ المالكية والشافعية والحنابلة وبعض الحنفية ‏)‏ لأنه لا يلزم منها بناء القوي على الضعيف ‏.‏‏ ‏ولم يشترط الشافعية في الإمام أن يكون بالغا ، فتصح إمامة المميز للبالغ عندهم مطلقا ، سواء أكانت في الفرائض أم النوافل ، لحديث ‏{‏ عمرو بن سلمة أنه كان يؤم قومه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ست أو سبع سنين ‏}‏ لكنهم قالوا ‏:‏ البالغ أولى من الصبي ‏. ‏أما إمامة المميز لمثله فجائزة في الصلوات الخمس وغيرها عند جميع الفقهاء ‏.‏ ‏

 4‏-‏ ‏(‏ الذكورة ‏)‏ ‏:‏ ‏ يشترط لإمامة الرجال أن يكون الإمام ذكرا ، فلا تصح إمامة المرأة للرجال ، وهذا متفق عليه بين الفقهاء ، لما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ ‏{‏ أخروهن من حيث أخرهن الله ‏}‏ والأمر بتأخيرهن نهي عن الصلاة خلفهن ‏.‏ ولما روى جابر مرفوعا ‏:‏ ‏{‏ لا تؤمن امرأة رجلا ‏}‏ ولأن في إمامتها للرجال افتتانا بها ‏.‏ ‏ ‏أما إمامة المرأة للنساء فجائزة عند جمهور الفقهاء ‏(‏ وهم الحنفية والشافعية والحنابلة ‏)‏ واستدل الجمهور لجواز إمامة المرأة للنساء بحديث ‏{‏ أم ورقة أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لها أن تؤم نساء أهل دارها ‏}‏ ‏.‏ ‏ ‏لكن كره الحنفية إمامتها لهن ، لأنها لا تخلو عن نقص واجب أو مندوب ، فإنه يكره لهن الأذان والإقامة ، ويكره تقدم المرأة الإمام عليهن ‏.‏

فإذا صلت النساء صلاة الجماعة بإمامة امرأة وقفت المرأة الإمام وسطهن ‏.‏ ‏ ‏أما المالكية فلا تجوز إمامة المرأة عندهم مطلقا ولو لمثلها في فرض أو نفل ‏.‏ ‏ ‏ولا تصح إمامة الخنثى للرجال ولا لمثلها بلا خلاف ، لاحتمال أن تكون امرأة والمقتدي رجلا ، وتصح إمامتها للنساء مع الكراهة أو بدونها عند جمهور الفقهاء ، خلافا للمالكية حيث صرحوا بعدم جوازها مطلقا ‏.‏

‏5‏-‏ ‏(‏ القدرة على القراءة ‏)‏ ‏:‏ ‏ يشترط في الإمام أن يكون قادرا على القراءة وحافظا مقدار ما يتوقف عليه صحة الصلاة . ‏وهذا الشرط إنما يعتبر إذا كان بين المقتدين من يقدر على القراءة ، ‏أما إمامة الأمي للأمي والأخرس فجائزة ، وهذا متفق عليه بين الفقهاء ‏.‏

 ‏6 ‏-‏ ‏(‏ السلامة من الأعذار ‏)‏ ‏:‏ ‏ يشترط في الإمام إذا كان يؤم الأصحاء أن يكون سالما من الأعذار ، كسلس البول وانفلات الريح والجرح السائل والرعاف ، وهذا عند الحنفية والحنابلة ، وهو رواية عند الشافعية ، لأن أصحاب الأعذار يصلون مع الحدث حقيقة ، وإنما تجوز صلاتهم لعذر ، ولا يتعدى العذر لغيرهم لعدم الضرورة ، ولأن الإمام ضامن ، بمعنى أن صلاته تضمن صلاة المقتدي ، والشيء لا يضمن ما هو فوقه ‏.‏ ‏ ‏ولا يشترط في المشهور عند المالكية ‏-‏ وهو الأصح عند الشافعية ‏-‏ السلامة من العذر لصحة الإمامة ، لأن الأحداث إذا عفي عنها في حق صاحبها عفي عنها في حق غيره ‏.‏ ‏

‏وأما إمامة صاحب العذر لمثله فجائزة باتفاق الفقهاء مطلقا ، أو إن اتحد عذرهما ‏.‏ ‏

7‏-‏ ‏(‏ القدرة على توفية أركان الصلاة ‏)‏ ‏:‏ ‏ يشترط في الإمام أن يكون قادرا على توفية الأركان ، وهذا إذا كان يصلي بالأصحاء ‏، ‏واختلفوا في صحة إمامة القاعد للقائم ، فالمالكية والحنابلة لا يجوزونها ، لأن فيه بناء القوي على الضعيف ، واستثنى الحنابلة إمام الحي إذا كان مرضه مما يرجى زواله ، فأجازوا إمامته‏.‏ والشافعية يقولون بالجواز ، وهو قول أكثر الحنفية ، لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ‏{‏ صلى آخر صلاة صلاها بالناس قاعدا ، والقوم خلفه قيام ‏}‏ ‏.‏ ‏

‏أما إمامة العاجز عن توفية الأركان لمثله فجائزة باتفاق الفقهاء ‏.‏

‏8 -‏ ‏(‏ السلامة من فقد شرط من شروط الصلاة ‏)‏ ‏:‏ ‏ ‏ يشترط في الإمام السلامة من فقد شرط من شروط صحة الصلاة كالطهارة من حدث أو خبث ، ولا فرق بين الحدث الأكبر والأصغر ، ولا بين نجاسة الثوب والبدن والمكان ‏.‏ ‏ ‏وصرح المالكية والشافعية أن علم المقتدي بحدث الإمام بعد الصلاة مغتفر ، وقال الحنفية ‏:‏ من اقتدى بإمام ثم علم أن إمامه محدث أعاد لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏ من أم قوما ثم ظهر أنه كان محدثا أو جنبا أعاد صلاته ‏}‏ ‏.‏

 ‏9-‏ ‏(‏ النية ‏)‏ ‏:‏ ‏ يشترط في الإمام عند الحنابلة نية الإمامة ‏.‏ ولو أحرم منفردا ثم جاء آخر فصلى معه ، فنوى إمامته صح في النفل ، لحديث ‏{‏ ابن عباس أنه قال ‏:‏ بت عند خالتي ميمونة ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم متطوعا من الليل ، فقام إلى القربة فتوضأ ، فقام فصلى ، فقمت لما رأيته صنع ذلك ، فتوضأت من القربة ، ثم قمت إلى شقه الأيسر ، فأخذ بيدي من وراء ظهره يعدلني كذلك إلى الشق الأيمن ‏}‏ ‏.‏ ‏

‏أما في الفرض فإن كان ينتظر أحدا ، كإمام المسجد يحرم وحده ، وينتظر من يأتي فيصلي معه ، فيجوز ذلك أيضا ‏.‏ ‏ ‏واختار ابن قدامة أن الفرض كالنفل في صحة صلاة من أحرم منفردا ثم نوى أن يكون إماما ‏.‏ ‏ ‏ ‏‏ولا يشترط نية الإمام الإمامة عند المالكية والشافعية ، إلا في الجمعة والصلاة المعادة ، لكنه يستحب عندهم للإمام أن ينوي الإمامة في سائر الصلوات للخروج من خلاف الموجب لها ، وليحوز فضيلة الإمامة وصلاة الجماعة ‏.‏ ‏

( ملخصا من موسوعة الفقه الكويتية )