يقول الشيخ سيد سابق رحمه الله :

أصح ما ورد في التشهد تشهد ابن مسعود، قال: “كنا إذا جلسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة وقلنا السلام على الله قبل عباده، والسلام على فلان وفلان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لا تقولوا السلام على الله ، فإن الله هو السلام ، ولكن إذا جلس أحدكم فليقل: التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض، أو بين السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، واشهد أن محمدًا عبده ورسوله.. ثم ليختر أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به” رواه الجماعة. قال مسلم: أجمع الناس على تشهد ابن مسعود، لأن أصحابه لا يخالف بعضهم بعضًا، وغيره قد اختلف أصحابه وقال الترمذي والخطابي وابن عبد البر وابن المنذر: تشهد ابن مسعود أصح حديث في التشهد .

وأما معناه : فقد شرحه الإمام أبو الطيب الآبادي في كتابه ( عون المعبود ، شرح سنن أبي داوود) فقال:

( التحيات لله ) ‏: أي دون غيره , قيل التحية تفعلة من الحياة بمعنى الإحياء والتبقية , وقيل التحية الملك سمي بها لأن الملك سبب تحية مخصوصة .‏

( والصلوات ) ‏: قيل المراد الخمس أو ما هو أعم من ذلك من الفرائض والنوافل في كل شريعة , وقيل المراد العبادات كلها , وقيل الدعوات , وقيل المراد الرحمة , وقيل التحيات العبادات القولية والصلوات العبادات الفعلية والطيبات الصدقات المالية ‏.

‏( والطيبات ) ‏: أي ما طاب من الكلام وحسن أن يثنى به على الله دون ما لا يليق بصفاته مما كان الملوك يحيون به .

وقيل الطيبات ذكر الله، وقيل: الأقوال الصالحة كالدعاء والثناء , وقيل الأعمال الصالحة وهو أعم .

‏( السلام عليك ) ‏‏: قيل معناه اسم السلام ، أي اسم الله عليك فإنه من أسمائه تعالى لأنه المُسلِّم لعباده من الآفات ، وقال الزهري : السلام بمعنى التسليم , أي: سلم الله عليه من الآفات كلها , وقيل : السلامة من الآفات كلها عليك .

‏( ورحمة الله ) ‏‏: أي إحسانه .والرحمة لغة: عطف وميل نفساني غايته التفضل والإحسان والإنعام أو إرادة ذلك , ولاستحالة ذلك على الله تعالى أريد بها غايتها التي هي صفة فعل أو صفة ذات .‏

( وبركاته ) ‏‏: وهو اسم لكل خير فائض منه تعالى على الدوام. وقيل: البركة الزيادة في الخير ، وإنما جمعت البركة دون السلام والرحمة لأنهما مصدران .

‏( السلام علينا ) ‏‏: استدل به على استحباب البداءة بالنفس في الدعاء . وفي الترمذي مصححا من حديث أبي بن كعب ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه ” . ‏
‏وأصله في مسلم قاله الحافظ ‏.

‏( وعلى عباد الله الصالحين ) ‏‏: الأشهر في تفسير الصالح أنه القائم بما يجب عليه من حقوق الله وحقوق عباده .

‏( إذا قلتم ذلك أصاب ) ‏‏: أي أصاب ثواب هذا الدعاء أو بركته كل عبد صالح.‏
‏( كل عبد صالح ) ‏: قيد به لأن التسليم لا يصلح للمفسد . والصالح هو القائم بحقوق الله وحقوق العباد وقيل المراد به كل مسلم.
(أو بين السماء والأرض) شك من الراوي ‏.

‏( ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه ): ‏‏أي يختارأحب الدعاء وأرضاه من الدين والدنيا والآخرة .

واستدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما اختار المصلي من أمر الدنيا والآخرة ، والمعروف في كتب الحنفية أنه لا يدعو في الصلاة إلا بما جاء في القرآن أو ثبت في الحديث أو ما كان مأثورا . لكن ظاهر هذا الحديث يرد عليهم قاله الحافظ . (انتهى )