يقول فضيلة الشيخ  الدكتور يوسف القرضاوي في كتاب فقه الطهارة:
للوضوء سنن، ومستحبات، وآداب بها يتم ويكتمل، منها:
الأمور المختلف في فرضيتها، وهي:
التسمية في أوله. ولم يصح فيها حديث خاص في شأنها، ولكن استحباب التسمية في بدايات الأشياء ثابت، اقتداء ببدء السور والفاتحة بالبسملة، واقتداء بسيدنا نوح عليه السلام حين قال: (وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) هود: 41، وبسيدنا سليمان حين أرسل كتابه إلى ملكة سبأ (إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) النمل: 30،31 .
واستدل النسائي وابن خزيمة والبيهقي على استحباب التسمية: بحديث أنس. قال: طلب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وَضوءا فلم يجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “هل مع أحدكم ماء؟” فوضع يده في الإناء، وقال: “توضأوا باسم الله، فرأيت الماء يخرج من بين أصابعه، حتى توضأوا من عند آخرهم .
والمراد: توضأوا باسم الله وفضله وبركته، فسيكفيكم الماء القليل، ولذا جاء في بعض الروايات: ” …. ” فلا دلالة فيه واضحة على استحباب التسمية .
وقد بالغ الإمام الشوكاني في (السيل) فأوجب التسمية في ابتداء الوضوء، بناء على قاعدته في تقوية الأحاديث الضعيفة ـ وربما كان أكثرها شديد الضعف ـ بكثرة الطرق، فيدعي صحتها أو حسنها وصلاحيتها للاستدلال، وبناء الأحكام الكبيرة عليها، مثل الإيجاب والتحريم، على خطورتهما. وهو ما لا نوافقه عليه رحمه الله، على ما له من فضل كبير، وإمامة معترف بها في الفقه والأصول.. ولكنه ليس بمعصوم .
النية .
الترتيب .
الموالاة .
الدلك.
6، 7 ـ المضمضة والاستنشاق ـ لمن لم يقل بوجوبهما واعتبارهما جزءا من الوجه ـ والمبالغة فيهما لغير الصائم، والاستنثار بعد الاستنشاق .
وقد صحت الأحاديث في وصف وضوئه صلى الله عليه وسلم: أنه كان يتمضمض ويستنشق، وروى عنه أبو هريرة: ” إذا توضأ أحدكم، فليجعل في أنفه ماء، ثم لينتثر ” متفق عليه .
وروى أهل السنن ـ وصححه الترمذي ـ من حديث لَقِيط بن صَبْرة: “وبالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائما” وقال الشيخ أحمد شاكر: رواه أيضا الشافعي وأحمد وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه البغوي وابن القطان. ورواه أيضا الدولابي بلفظ: “وبالغ في المضمضة والاستنشاق، إلا أن تكون صائما” قال ابن القطان: وهذا سند صحيح، ورجحه على الرواية الأخرى، التي ليس فيها ذكر المضمضة .
كما يستحب أيضا تقديم المضمضة على الاستنشاق، كما ثبت في السنة .
مسح جميع الرأس .
مسح الأذنين .
فإذا لم نقل بوجوبه، كما ذهب الحنابلة، فلا أقل من أن ثبتت سنيته، وأدنى ما في ذلك مراعاة الخروج من الخلاف .
10ـ غسل اليدين إلى الرسغين في ابتداء الوضوء، وهذا ثابت من فعله صلى الله عليه وسلم .
وهذه السنة موافقة للفطرة والمعقول، لأن اليدين قد يكون بهما غبار أو نحو ذلك، فيبدأ بتنظيفهما، ليستخدمها بعد ذلك في غسل الوجه وما بعده .
11ـ تخليل اللحية الكثة. قال الشوكاني في (السيل): الأحاديث في تخليل اللحية قد وردت من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة، وفيها الصحيح والحسن والضعيف. وقد صحح بعضها الترمذي وغيره، وحسن بعضها البخاري! وقال أحمد بن حنبل: لم يثبت في تخليل اللحية حديث صحيح. وروي مثله عن ابن أبي حاتم عن أبيه.  وهذا يعارض ما ذكره الشوكاني .
وعند الحنابلة ثلاثة أقوال في تخليل اللحية الكثيفة :
أولها: أنه مستحب، قال في (الإنصاف) وهو الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب .
والثاني: أنه لا يستحب .
والثالث: أنه واجب .
والقول الأول هو الأولى .
12ـ تخليل أصابع اليدين والرجلين، لحديث لقيط بن صبرة: ” وخلل أصابعك ” وهو في الرجلين آكد، قال المستورد بن شداد: ” رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ: دلك أصابع رجليه بخنصره ” رواه أبو داود .
13ـ غسل ما فوق المرفقين والكعبين، لأنه يدخل في (إسباغ الوضوء) الذي حثت عليه الأحاديث، ولما جاء فيه خاصة من الترغيب. روى مسلم عن نُعيم بن المجمّر: أنه رأى أبا هريرة يتوضأ، فغسل وجهه ويديه، حتى كاد يبلغ المنكبين، ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” إن أمتي يأتون يوم القيامة غرًّا محجَّلين، من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ” وأصل الحديث في الصحيحين .
وأصل الغرة: بياض في وجه الفرس، والتحجيل: في يديه ورجليه. ومعنى الحديث: يأتون بيض الوجوه والأيدي والأرجل .
والمراد بإطالة الغرة هنا: أن يغسل بعض مقدم رأسه مع الوجه. وإطالة التحجيل: أن يغسل بعض العضد مع المرفق، وبعض الساق مع القدم .
وذهب بعض المالكية ـ كابن بطال والقاضي عياض ـ إلى أن ما قاله أبو هريرة لم يتابع عليه. والمسلمون مجمعون على أن الوضوء لا يتعدى ما حد الله ورسوله. وقد خطأ النووي قول ابن بطال ومن تابعه، لأن أبا هريرة لم يفعله من تلقاء نفسه، بل أخبر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك .
ولكن الإمام أحمد قال عن هذه الجملة “فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل”: إنها مدرجة. وإن نعيما قال في رواية له: “لا أدري أهي من قول رسول الله أم من قول أبي هريرة؟ “.
وقال الحافظ في الفتح:
“لم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة، وهم عشرة، ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه “!
ونقل ابن القيم عن ابن تيمية قوله: (هذه اللفظة لا يمكن أن تكون من كلامه صلى الله عليه وسلم. فإن الغرة لا تكون في اليد، لا تكون إلا في الوجه، وإطالته غير ممكنة، إذ تدخل في الرأس، فلا تسمى تلك غُرّة، كما في إعلام الموقعين ).
14ـ الابتداء بالميامن، فيبدأ بغسل اليد اليمنى قبل اليسرى، ويغسل الرجل اليمنى قبل اليسرى، فقد روت عائشة أنه صلى الله عليه وسلم: كان يحب التيامن في تنعله وترجّله وطهوره وشأنه كله. متفق عليه .
15ـ تثليث الغسل للوجه واليدين والرجلين. فجل الذين رووا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه ـ مثل: عثمان وعلي وغيرهما ـ ذكروا أنه توضأ ثلاثا ثلاثا، فيما عدا مسح الرأس، لم يرد في معظم الأحاديث أنه كرره. فدل هذا على سنية التكرار والتثليث .
وقد روى الشيخان عن عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ، فغسل وجهه ثلاثا، ويديه مرتين .
وعن ابن عباس قال: ألا أخبركم بوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فتوضأ مرة مرة.  فدل ذلك على جواز الاقتصار على مرة واحدة، وعدم وجوب التكرار .
قال النووي: إذا زاد على الثلاث فقد ارتكب المكروه .
16ـ الاقتصاد في استعمال الماء، بحيث لا يبلغ حد الإسراف، ولا ينزل إلى حد التقتير. قال النووي: واتفق أصحابنا وغيرهم على ذم الإسراف في الماء في الوضوء والغسل. وقال البخاري في صحيحه: كره أهل العلم الإسراف فيه. والمشهور: أنه مكروه كراهة تنزيه. وقال البغوي والمتولي: حرام .
ومما يدل على ذمه حديث عبد الله بن مغفّل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء” رواه أبو داود بإسناد صحيح.  اهـ .
وأنا أميل إلى أن الإسراف إذا تحقق وتأكد: حرام، لقوله تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) الأعراف: 31. وما لا يحبه الله فهو حرام .
واعتبر كثير من الفقهاء ما نقص عن المد في الوضوء، وعن الصاع في الغسل: تقتيرا. لما روى مسلم في صحيحه عن سفينة رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع، ويتوضأ بالمد” ومن المعلوم أن الصاع أربعة أمداد .
وفي مسلم أيضا عن أنس: بالصاع إلى خمسة أمداد .
وفي البخاري: اغتساله بالصاع من رواية جابر وعائشة .
والمد: رطل وثلث بالبغدادي. والصاع: خمسة أرطال وثلث. وقيل: ثمانية أرطال. وقيل: هو في الماء خاصة: ثمانية أرطال، ورجح هذا ابن تيمية .
وقد حققنا مقدار الصاع بالمعايير الحديثة (على مذهب أهل الحجاز) في كتابنا (فقه الزكاة) فكان مقداره بالوزن بالكيلو جرام: 2,156 وذلك بوزن القمح المعتاد .
وهذا المقدار بالماء يساوي:2,75 لتر .
قال الرافعي من الشافعية: والصاع والمد تقريب لا تحديد .
وقال النووي: أجمعت الأمة على أن ماء الوضوء والغسل لا يشترط فيه قدر معين، بل إذا استوعب الأعضاء كفاه، أي قدر كان. وممن نقل الإجماع فيه: أبو جعفر محمد بن جرير الطبري. وقد سبق أن شرط غسل العضو جريان الماء عليه .
قال النووي: ويدل على جواز النقصان عن صاع ومُد ـ مع الإجماع ـ حديث عائشة: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في إناء واحد، يسع ثلاثة أمداد، وقريبا من ذلك ” رواه مسلم .
وفي سنن أبي داود والنسائي بإسناد حسن عن أم عمارة الأنصارية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ بإناء فيه قدر ثلثي مُد “.
17ـالدعاء عند فراغه من الوضوء :
ومن المستحبات: أن يقول بعد فراغه من الوضوء ما رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ ـ أو فيسبغ ـ الوضوء، ثم يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء “.
وروى الترمذي هذا الدعاء، وفيه زيادة : “اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين “.
18ـ صلاة ركعتين عقب الوضوء :
ومن المستحبات: صلاة ركعتين عقب الوضوء، لا سيما إذا لم يكن مقبلا على أي صلاة أخرى: فرض أو نفل، يؤديها .
فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: “يا بلال، حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام! (أي أولى عمل ترجو منه المثوبة) فإني سمعت دُفّ (أي صوت) نعليك في الجنة “! قال: ما عملت من عمل أرجى عندي من أني لم أتطهر طُهورا في ساعة من ليل أو نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي .
وعن عقبة بن عامر قال: “ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما: إلا وجبت له الجنة “.
وعن عثمان بن عفان: دعا بإناء، فأفرغ على كفّيه ثلاث مرات فغسلهما، ثم أدخل يمينه في الإناء، فمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثا، ويديه إلى المرفقين ثلاثا، ثم مسح برأسه، ثم غسل يديه ثلاث مرات إلى الكعبين، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه: غُفر له ما تقدم من ذنبه” متفق عليه .