أباح الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ زيارة القبور، ولم يُؤْثَرْ عنه شيء إلا ما شرَع في زيارتهم من التذكُّر والتسليم والدعاء ، وما يفعله الكثير في زيارة أصحاب الأضرحة من تجاوُز للحد المشروع في زيارة القبور، أمر يأْباه الله ويأباه الرسول، ويغضب منه أصحاب الأضْرحة أنفسهم .

هذا فحوى ما يقوله الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله تعالى-:

أباح الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه وعلَّمهم زيارة القبور، وزارها، وزاروها رجالًا ونساء، ودرَج عليها المسلمون الأولون، كما تلقَّوا عن عهده في العلم والعمل، درَجوا عليها، وفي القبور الصدِّيقون والشهداء والصالحون، ولم يُؤْثَرْ عن أحد منهم شيء في زيارة هؤلاء الصالحين وراء ما شرَع في زيارة غيرهم: تَذَكُّر وتسليم ودعاء .

وإذنْ، فما يفعله كثير منا ـ في زيارة أصحاب الأضرحة الكاسية المزركشة، ذات المقاصير المفضَّضة، والقباب المزخرفة ـ تجاوُز للحد المشروع في زيارة القبور، واقتحام لغير المشروع باسم المشروع، فوقْفة الاستئذان على باب الضريح، واستقباله مع رفع الأكف بالضراعة والمناجاة، والطواف حوله مع تقبيل جوانبه والتمسُّح بحديده أو خشبه، وشرح القضايا والمهام، وتقديم العرائض وطلب الفصْل فيها، كل ذلك عمل غير مشروع، يأْباه الله ويأباه الرسول، ويغضب منه أصحاب الأضْرحة أنفسهم .

أولياء الله لا يَرْضَوْنَ هذه المُنكَرات:

وأولياء الله هم ـ بنصِّ كتاب الله ـ “الذين آمنوا وكانوا يتَّقون” ، كانوا في حياتهم لله عبادًا مُخلصين، لم يتجهوا بقلوبهم إلى غير الله، ولم يقفوا ببابِ أحدٍ سواه، ولم يرفعوا أكُفَّ الضراعة إلا إليه، وأنهم كانوا يدعون الناس إلى هدي الله وشرعه، وهم يُحبون من الناس أن يَسلكوا سبيلهم، يَعبدون الله كما عبدوا، ويتقربون إليه بما تقربوا .

فإذا ما سلكنا في زيارتهم ما سلكوا في زيارة أسلافهم طابتْ نفوسهم، واطمأنت أرواحهم، وإذا ما انحرفنا عن طريقهم ـ فوجَّهنا وُجوهنا في عبادة الله إليهم، واتَّخَذْنَا قبورهم مطافًا كالبيت الحرام، ومُستلمًا كالحجر الأسود، ومُصلَّى كمقام إبراهيم، وخاطبناهم بالدعاء والرجاء ـ فقد جافَيْنَا طريقهم وجفَوْناهم، وصِرْنَا إلى ما يُحزنهم، لا إلى ما يُرضيهم .

هذا ما يجب أن يعلمه الناس حتى يعرفوا المشروع فيفعلوه، وغير المشروع فيجتنبوه، ولا ينبغي أن نَسكت مُجاراةً أو مُجاملة، فإن الساكت عن الحق شيطانٌ أخرَسُ.

الدعوة التي هي أحسن:

وإذا كان الله قد أخذ علينا العهد والمِيثاق أن نبيِّن للناس، فقد أمرنا أن يكون البيان، وأن تكون الدعوة بالتي هي أحسنُ، تجمع ولا تُفرق، وتُؤلف ولا تُنفِّر.

وإذنْ، لا ينبغي لنا أن نقسو باسم الدين وباسم الدعوة إليه، فنَتَّخِذ الحكم بالشرك وعبادة الأصنام على الزائرين بهذه الكيفية سبيلًا للدعوة، وطريقًا للبيان.

كيف ونحن نعلم أن هؤلاء الزائرين ـ كما تنطق به أحوالهم ـ مؤمنون بعقائد الدين كلها، وبفرائضه كلها، ومؤمنون بأن النبي والوليَّ من عباد الله، خلقهما كما خلق العباد، وأمدَّهما بأسباب الحياة كما أمدَّ العباد، وأماتهما كما يُميت العباد، وأنه سيبعثهما كما يبعث العباد، وتلك عقيدة الإيمان الحقِّ التي لم يكن يُؤمن بها عُبَّاد الأصنام!! نعم، توارث هؤلاء ـ عن غير علْم ـ صورًا في زيارة الأضرحة، غير ما رسم الشرع في زيارة المقابر .