الزنا جريمة منكرة تستوجب التوبة والندم، والتصميم على عدم العود للمعصية، والضراعة إلى الله عز وجل ليغفر لهما زلاتهما فإنه سبحانه يحب التوابين، ويغفر الذنوب جميعا، ثم بعد توبتهما يكون زواجهما صحيحا بإجماع المسلمين .

الولد طبعا هو نتاج زنا ، فهو ابن زنا، وأما نسبة الولد الناتج عن الزنا منهما فجمهور الفقهاء يرى أنه لا ينسب للزاني، ولكنه ينسب لأمه فقط فيكون ولد زنا، وقد رجح جواز نسبته إلى الزاني أئمة من أهل التحقيق مثل شيخ الإسلام ابن تيمية ، والإمام ابن القيم ، ومن المعاصرين الدكتور القرضاوي ، وهو قول عملي له وجاهته وقوته، وعليه الفتوى.

يقول فضيلة الشيخ  الدكتور يوسف القرضاوي:-
الزاني والزانية إذا تابا إلى الله تعالى، وأرادا أن يخرجا من الحرام إلى الحلال، ومن حياة التلوث إلى حياة الطهارة، وأرادا تغيير حياتهما من زنى محرم ليعيشا في الحلال، فزواجهما صحيح بالإجماع.

وجمهور الفقهاء لا يشترطون التوبة لصحة النكاح من الزانية، كما روي أن عمر رضي الله عنه ضرب رجلاً وامرأة في الزنى، وحرص على أن يجمع بينهما.

والحنابلة هم الذين اشترطوا التوبة، لقوله تعالى:{الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، وحرم ذلك على المؤمنين} النور: 3.

ويقول فضيلته أيضا في مسألة استلحاق الزاني ولده من الزنا:-
جاء عن عَدَد من فقهاء السلف: عروة بن الزبير، والحسن البصري، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم، أنهم أجازوا استلحاق ولد الزنى إذا لم يكن فراش، أي لم تكن المرأة متزوجة ـ بأن لم تتزوج قَطُّ، أو كانت مُطلَّقة، أو أرملة ـ وادَّعى مُدَّعٍ أن هذا ولده، جاز أن يُستلْحَق ولد الزنى، ورَجَّح هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.

قال ابن القيم بعد أن ذكر حديث “الولد للفراش وللعاهر الحَجَر” قال:
(فإن قيل: فقد دل الحديث على حُكم استلحاق الولد، للفراش فما تقولون لو استلحق الزاني ولدًا لا فراش هناك يُعارِضه، هل يُلْحِقَه نَسبَه، ويُثبِت له أحكامَ النسبِ؟ قيل: هذه مسألة جليلة، اختلف أهل العلم فيها، فكان إسحاق بن راهويه يذهب إلى أن المولود من الزنى إذا لم يكن مولودًا على فراش يَدَّعيه صاحبه، وادَّعاه الزاني أُلحِقَ به، وأوَّلَ قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ “الولد للفراش” على أنه حُكِم بذلك عند تنازُع الزاني وصاحب الفراش.

وهذا مذهب الحسن البصري رواه عنه إسحاق بإسناده في رجل زنى بامرأة فولدت ولدًا، فادَّعى ولدَها، فقال: يُجلَد ويَلزمه الولد، وهذا مذهب عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار ذكر عنهما أنهما قالا: أيَّما رجل أتى إلى غلام يَزعُم أنه ابن له، وأنه زنى بأمه، ولم يَدَّعِ ذلك الغلام أحد، فهو ابنه .

واحتج سليمان بأن عمر بن الخطاب كان يُليط أولاد الجاهلية بمن ادَّعاهم في الإسلام، وهذا المذهب كما تراه قوة ووضوحًا، وليس مع الجمهور أكثر من “الولد للفراش” وصاحب هذا المذهب أول قائل به، والقياس الصحيح يقتضيه؛ فإن الأب أحد الزانيين، وهو إذا كان يُلحَق بأمه، ويُنسَب إليها وتَرِثه ويَرِثها، ويَثبُت النسب بينه وبين أقارب أمة مع كونها زَنَتْ به، وقد وُجِد الولد من ماء الزانيين، وقد اشتركا فيه، واتَّفَقا على أنه ابنها، فما المانع مِن لُحوقه بالأب إذا لم يَدَّعِه غيره؟ فهذا مَحْضُ القياس .

وقد قال جريج للغلام الذي زَنَتْ أمه بالراعي: من أبوك يا غلام؟ قال فلان الراعي، وهذا إنطاق من الله لا يُمكن فيه الكذب

فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ: “… وكان جريج رجلاً عابدًا فاتخذ صومعة فكان فيها، فأتتْه أمه وهو يُصلي فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فانصرفتْ، فلما كان من الغَدِ أتتْه وهو يُصلي، فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تُمِتْه حتى يَنظر إلى وجوه المُومِسات، فتذاكر بنو إسرائيل جريجًا وعبادته، وكانت امرأةٌ بَغِيّ يُتَمثَّل بحُسنها، فقالت: إن شئتم لأفْتِنَنَّه لكم، قال: فتعرضتْ له فلم يلتفتْ إليها، فأتتْ راعيًا كان يَأويْ إلى صومعتِه فأمكنتْه من نفسها، فوقَعَ عليها، فحملتْ، فلما ولدتْ قالت: هو مِن جريج.

فأتوه فاستنزلوه وهدمُوا صومعتَه وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟! قالوا: زنيتَ بهذه البغي فولدتْ منك! فقال: أين الصبي؟ فجاؤوا به. فقال: دعوني حتى أصلي، فصلَّى، فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه ـ وفي رواية: أنه مَسَحَه على رأسه ـ وقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي، قال: فأقبلوا على جريج يُقبِّلونه ويَتَمسَّحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذَهَب، قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا “.

فابن القيم يستدل بهذا على أنه قال: مَنْ أبوك؟ قال فلان الراعي، وطبعًا الذي أنطقه هو الله، لأنه نطق خارق للعادة، كرامة من الله لهذا الرجل الصالح، فلا يمكن الكذب فيه، فنَسَبَه إلى هذا الأب، والأصل أنَّ شَرْع من قبلنا شَرْعٌ لنا ما لم يُخالِف شرعَنا ـ على رأي جمهور الأصوليين (ذهب إلى هذا أكثر الحنفية، وأكثر المالكية، وأكثر الشافعية، وهو الذي صار إليه الفقهاء، كما نقل ذلك الشوكاني في “إرشاد الفحول: 2/ 257 ـ 258 بتحقيق د. شعبان محمد إسماعيل) .

فهنا استدل ابن القيم ـ ومِن قَبلِه ابن تيمية (انظر: الاختيارات العلمية لابن تيمية: ص 165، ضمن المجلد الخامس من الفتاوى الكبري، ط. فرج الله الكردي) ـ بهذا الحديث على أنه إذا استلحق ولدَه من الزنى ولا فراش، لَحِقَه، وهذا مذكور في كتب الحنابلة المتأخرين مثل (الفروع) (انظر كتاب “الفروع” لأبي عبد الله شمس الدين بن مفلح: ج5 ص 526، ط2، 1383هـ ـ 1963م. وكذلك كتاب “المبدع في شرح المقنع” لأبي إسحاق برهان الدين بن مفلح: ج8 ص106، ط المكتب الإسلامي) وغيره.