يقول فضيلة الدكتور محمد سعيد حوى – أستاذ الشريعة بالجامعات الأردنية :ـ
قد صح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه فرض صدقة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على كل حر وعبد ذكر وأنثى كبير وصغير من المسلمين، ورواية أبي سعيد الخدري قال فيها: صاعًا من طعام أو تمر أو أقط أو شعير…، فمن العلماء من رأى أن هذه يقصد بها الحصر، وهو رأي الجمهور سابقًا، لكن رأي الحنفية ويساعدهم ما سننقله عن البخاري أن هذا التعداد على سبيل التوسعة، وأن مقاصد الشريعة تقتضي أن يكون الإنسان مخيرًا بين أن يخرجها طعامًا أو نقدا أو ما يعدل ذلك، وهو ما يصلح للفقير والأدلة الشرعية على ذلك هي:

أولاً: أخرج البخاري معلقًا قول معاذ لأهل اليمن: إيتوني بلبيس وخميص مكان الذرة والشعير أيسر لكم وأنفع لأصحاب محمد -عليه الصلاة والسلام-، وعنون البخاري لهذا بقوله “العرض في الزكاة”، أي كيف تكون زكاة العروض مما ليس ذهبًا ولا فضة، فأثبت بهذا الانتقال إلى القيمة.

ثانيًا: صح أن معاوية قال لأهل المدينة إني أرى أن نصف صاع من سمراء الشام تعدل صاعًا من تمر المدينة، وأقره الصحابة على ذلك عدا أبي سعيد الخدري؛ إذ قال لا أزال أخرجها كما كنت أخرجها على عهد رسول الله، ففعل معاوية وإقرار الصحابة انتقال إلى القيمة من صاع إلى نصف صاع. هذا المعنى الذي جعل الحنفية يرون أن العبرة بالجوهر المتضمن حقيقة التصدق لا شكله.

ثالثًا: إذا نظرنا في أحوال الصحابة أيام رسول الله –صلى الله عليه وسلم– نجد ندرة التعامل النقدي، وأن الأيسر إخراج الأطعمة ونحوها مع حاجة الناس لفقرهم وجوعهم إلى ذلك. اليوم نجد أن الأيسر إخراج النقود وهو الأنفع للفقراء لتحقيق مصالحهم، ويتحقق فيها معنى التطهر بالتصدق؛ إذ حكمتها طهرة للصائم من الرفث واللغو كما هي طعمة للمساكين.

رابعًا: نجد أن الفقير اليوم يأخذ الأطعمة ويذهب فيبيعها للتاجر بثمن بخس لحاجته للمال ولتراكم الأطعمة عنده في وقت واحد، فيخسر مرتين ويربح التاجر مرتين، فلذلك نرجح مصلحة إخراجها نقودًا؛ ليتصرف الفقير بما يناسبه ويصلحه.

وثمة أدلة أخرى تدل على أن النبي (عليه الصلاة والسلام) اعتمد القيمة، منها ما أخرجه البخاري: من بلغت صدقته بنت مخاض (وهي من دخلت السنة الثانية من الإبل)، ولم تكن عنده إلا بنت لبون (وهي من دخلت في الثالثة من الإبل) نقبلها منه، ويعطيه المصدق (الذي يأخذ الصدقة) شاتين أو عشرين درهمًا… إلخ الحديث.