الحديث المذكور رواه الإمام الترمذي والإمام أحمد وغيرهما،وقال شراح الحديث :إن هذه الرؤيا رؤيا منامية ،فقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ربه في المنام ،ولكن بأي كيفية الله بها أعلم ،فنحن نثبت الرؤيا دون كيفية معينة ،فهذا من الغيب الذي نهينا أن نتكلف في البحث عنه ،وقيل:في أحسن صورة ،أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في أحسن صورة عند رؤية ربه ،وقيل: رأي الرسول صلى الله عليه وسلم ربه في أحسن صورة .

وقد جاء في كتاب تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي :

( أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة ) ‏‏الظاهر أن إتيانه تعالى كان في المنام يدل على ذلك قول الراوي أحسبه في المنام ويدل على ذلك أيضًا حديث معاذ بن جبل الآتي ففيه ” فنعست في صلاتي فاستثقلت فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة ” . قال الإمام القاري في كتاب المرقاة : إذا كان هذا في المنام فلا إشكال فيه إذ الرائي قد يرى غير المتشكل متشكلا والمتشكل بغير شكله ثم لم يعد ذلك بخلل في الرؤيا ولا في خلد الرائي بل له أسباب أخر تذكر في علم المنام أي التعبير ، ولولا تلك الأسباب لما افتقرت رؤيا الأنبياء عليهم السلام إلى تعبير ، وإن كان في اليقظة ، وعليه ظاهر ما روى أحمد بن حنبل فإن فيه ” فنعست في صلاتي حتى استيقظت فإذا أنا بربي عز وجل في أحسن صورة ” . الحديث

فذهب السلف في أمثال هذا الحديث إذا صح أن يؤمن بظاهره ولا يفسر بما يفسر به صفات الخلق بل ينفى عنه الكيفية ويوكل علم باطنه إلى الله تعالى فإنه يري رسوله ما يشاء من وراء أستار الغيب بما لا سبيل لعقولنا إلى إدراكه ، لكن ترك التأويل في هذا الزمان مظنة الفتنة في عقائد الناس لانتشار اعتقادات الضلال وإن تأول بما يوافق الشرع على وجه الاحتمال لا القطع حتى لا يحمل على ما لا يجوز شرعا فله وجه ، فقوله في ( أحسن صورة ) يحتمل أن يكون معناه رأيت ربي حال كوني في أحسن صورة وصفة من غاية إنعامه ولطفه علي . أو حال كون الرب في أحسن صورة وصورة الشيء ما يتميز به عن غيره سواء كان عين ذاته أو جزأه المميز له عن غيره أو صفته المميزة ، وكما يطلق ذلك في الجثة يطلق في المعاني ، يقال في صورة المسألة كذا وصورة الحال كذا ، فصورته تعالى والله أعلم ذاته المخصوصة المنزهة عن مماثلة ما عداه من الأشياء البالغة إلى أقصى مراتب الكمال أو صفته المخصوصة به أي كان ربي أحسن إكراما ولطفا من وقت آخر .. ‏‏
فالظاهر الراجح أنه كان في المنام فإن رواية الترمذي الآتية أرجح من رواية أحمد . فمذهب السلف في مثل هذا من أحاديث الصفات إمراره كما جاء من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ، والإيمان به من غير تأويل له والسكوت عنه وعن أمثاله مع الاعتقاد بأن الله تعالى ليس مثله شيء وهو السميع البصير ; ومذهب السلف هذا هو المتعين ولا حاجة إلى التأويل .
وأما القول بأن ترك التأويل في هذا الزمان مظنة الفتنة في عقائد الناس لانتشار اعتقادات الضلال فمما لا التفات إليه .