يتعرض الإنسان في هذه الدنيا لمجموعة من الكوارث، هذه الكوارث قد تكون وسيلة انتقام إلهية لمن خالف منهجه مثل طوفان نوح، وقد تكون ابتلاء من الله لعباده المؤمنين، وهذه الكوارث لها إجراء علاجي ، وهذا الإجراء العلاجي ينقسم قسمين:

القسم الأول: كيف يتعامل من ابتلي بهذه الكارثة؟

والقسم الثاني : ما دور من لم يصب بهذه الكارثة؟

يقول فضيلة الشيخ عطية صقر:

1 ـ الإنسان في حياته يتقلَّب بيْن الخير والشر، فيما ينفعه وما يضره، وما يسره وما يحزنه، وذلك بحكم تكوينه الطبيعي، وبما أراد الله له من الخلافة في الأرض التي خُلق منها، قال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ) (سورة البلد: 4).
وقال تعالى: (يَا أيُّهَا الإنْسَانُ إنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدحًا فَمُلاقِيهِ) (سورة الانشقاق: 6).
أما الحياة الخالية من الآلام فهي حياة أهل الجنة، لا يمَسُّهم فيها نُصَب ولا حَزَنٌ ولا غِل ولا لغوٌ ولا تأثيم، كما ورد في القرآن الكريم.

2 ـ والله سبحانه هو الخالق ومالك الأمر، يُحيي ويميت ويعطي ويمنع، يفعل ما يشاء كما يشاء: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) (سورة الأنبياء : 23).
ومع ذلك فهو سبحانه في كل أفعاله حكيم يَضَعُ الشيء في موضعه المناسب، وقد وصف نفسه بالحكمة والخِبْرَة والعلم والإرادة في نصوص كثيرة، وهذه الحِكمة موجودة في أمره التكويني وأمره التشريعي لمن يعيشون في هذه الدنيا قال تعالى للملائكة في حِكمة خلق آدم: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (سورة البقرة : 30).
وقال في فرض الجهاد على المسلمين: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّو شَيْئًا وَهُوْ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (سورة البقرة: 216).

3 ـ وإذا كان الله سبحانه قد سخَّر لبني آدم ما في السموات وما في الأرض، وأسبغ عليهم نِعمه ظاهرة وباطنة، فإن في بعض المسخرات من القوى والإمكانات ضررًا عليهم في ظاهر الأمر، كالزلازل والبراكين والعواصف والسيول والأوبئة المُجتاحة، لكن لها حِكمة قد تخفى على بعض الناس، ضرورة أن الله حكيم في كل ما يصدر عنه، مُنزَّه عن العبث في أي شيء.
كما أن الهدي الإلهي الذي أرسل به الرسل هو لإرشاد الناس إلى الخير كما قال سبحانه: (فَإمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدى فَمِن اتَّبَعَ هُداي فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) (سورة طه : 123).
لكن في بعض هذا الهدي ما فيه مشقة في ظاهره، وهو في حقيقة الأمر لخير الإنسان وسعادته في دنياه وآخرته، كفرض الجهاد الذي قال في حكمته: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ) (سورة البقرة : 251).
وكأمر الله للخَضِر ـ عليه السلام ـ بخرق السفينة ليصرف عنها المَلِكَ الطاغية ويخلصها لأهلها المساكين، وكأمره له بقتل الغلام حتى لا يكْفُر بسببه أبواه، وذلك مسطور في (سورة الكهف: 71-81).

4 ـ وبعيدًا عن الحكمة في التشريع هل هناك حِكمة في الأمور الكونية أمثال الزلازل والبراكين؟
هناك حِكم كثيرة على رأسها لفْتُ نظر الإنسان الذي خلقه الله بيده من طين، ولم يكن من قبل شيئًا مذكورًا، وأسبغ عليه النعمة، وسخَّر له المخلوقات ـ لفت نظره إلى الإيمان بأن هناك قوى أكبر من قوته، وسُلطانًا أعلى من سُلطانه، وذلك حتى لا يكفُر بوجود الله، وحتى لا يعصيه إن كان مؤمنًا بوجوده.

وإلى جانب هذه الحكمة العامة توجد حكم أخرى منها ما يأتي:

(أ) قد تكون الزلازل والصواعق والأعاصير وغيرها وسيلة انتقام لمن كَفَرَ بالله وجَحَد نِعْمَته، كالطوفان لقوم نوح، والريح الصرصر لقوم هود، والصاعقة لقوم صالح، والصيحة لقوم شُعَيْب، والرجم لقوم لوط، والغرق لفرعون وقومه، والخسف لقارون، قال تعالى: (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَن أَخَذْتُه الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِه الأرْضَ وَمِنُهْم مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون) (سورة العنكبوت : 40).
وهي بهذه الصورة عِبرة وعِظة لغيرهم حتى لا يتورطوا فيما تورَّط فيه هؤلاء، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الألْبَابِ) (سورة يوسف : 11).
وقال: (وكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِه فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذه الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (سورة هود : 120).

(ب) قد تكون هذه الكوارث امتحانًا يتميز به المؤمن الصادق من غير الصادق. قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ ونَبلُوَا أَخْبَارَكُمْ) (سورة محمد : 31).
وقال في شأن غزوة أحد: (إِنَّ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاء وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وُلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) (سورة آل عمران : 140، 141).
وهو سبحانه كما يمتحن بالشر يمتحن بالخير: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (سورة الأنبياء : 35) قال تعالى على لسان سيدنا سليمان وقد أعطاه ما أعطاه: (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَني أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرْ) (سورة النمل: 40).

(جـ) قد تكون هذه الكوارث وسيلة من وسائل تطهير المؤمنين الصابرين الصادقين من الذنوب ومُضاعفة ثوابهم، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيءٍ مِنَ الْخَوِْْف وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّر الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (سورة البقرة: 155 ـ 157).
وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه البخاري ومسلم “ما يُصيب المسلم من نَصَبٍ ولا وصبٍ ولا همٍّ ولا حزنٍ ولا أذىً ولا غمٍّ ـ حَتَّى الشوكة يُشاكها ـ إلا كفَّر الله بها من خَطاياه” والْوَصَبْ هو المرض.
وقد تكون هناك حِكم أخرى يعرفها علماء الأخلاق، كما يعرفها العلماء المُختصون المَعنيون بالدراسات الطبيعية والجغرافية وما يعرفونه من قوانين التوازن وغيرها.
وعجائب المخلوقات كثيرة، وعِلْمُنَا بِأَسْرَارِ الْكَون قليل، كما قال سبحانه: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (سورة الإسراء: 85).
ولذلك كرَّر الله الأمر بدوام البحث والنظر في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء. (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ . وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (سورة الذاريات: 20-21).

5 ـ ليكن معلومًا أن هناك كوارث هي من صُنْع اللهِ وَحْدَه، لا اختيار للإنسان فيه، كالأمثلة التي تقدَّمت.

وهناك كوارث تتدخل فيها قدرة الإنسان واختياره، كالحروب والحرائق وتلوث البيئة، وحوادث الطرق والمواصلات، فما هو موقف الإنسان من كلِّ هذه الكوارث؟ إن لكلٍّ من النوعين تعاملاً خاصًا ينبغي إفراده بالحديث وهذا التعامل له طرفان، طرف تربوي وطرف تشريعي، ولا يَستغني أحدهما عن الآخر، فالتربية توضِّح الطريق للتشريع، وفي الوقت نفسه تساعد على تنفيذه، والتشريع ينظم التربية وييسرها للفهم وبالتالي للتطبيق، وسيكون الكلام على الطرفين في نسقٍ واحد، دون اهتمام بالفَصْل بينهما.

وسنجعل للنوع الأول من الكوارث عنوان “الكوارث الطبيعية” نِسبة لمحلها لا لفاعلها، وللنوع الثاني عنوان ” الكوارث البشرية” وذلك لوضوح تسببهم فيها.

أولاً :الكوارث الطبيعية:

كلُّ الكوارث لها إجراءان ، إجراء وقائي قبل وقوعها، وإجراء عِلاجي بعد وقوعها، وبخصوص الكوارث الطبيعية التي هي من صُنع الله وحده، لا يظهر للإجراء الوقائي أثر، اللهم إلا في مثل الدراسات والمشاهدات التي تُعْرف بها الأماكن التي يكثُر فيها التعرُّض لهذه الكوارث فيحتاط بالبُعد عنها، أو بالتنبه لوقوعها إن أمكن، أو بمثل الاكتفاء في المنازل بما لا يعظم الخطر منه عند هدمه، أو بمثل إقامة السُّدود الواقية من خَطر السيول ونحو ذلك.

الإجراء العلاجي لمن أصيب بالكوارث كالزلزال وغيره:

أما الإجراء العِلاجي بعد وقوعها، فمِنه ما يتصلُّ بمن أُصيب بها وما يتصل بمن لم يُصب بها، فالَّذي أُصيب بفقد عزيز عليه من إنسان أو حيوان أو زَرْعٍ أو مال أو غير ذلك، يجب عليه أمور أهمها:

1 ـ الرضا بقضاء الله وعدم الجَزَع والسخط على ما وقع، فمن أصول الإيمان كما صحَّ في الحديث “وأن تُؤْمِن بالقَدَرِ خَيْره وشره حلوه ومُرِّه” قال تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (سورة التوبة: 51).
2 ـ الأمل وعدم اليأس من رحمة الله في تعويض ما فقد مهما كانت فَداحة هذا الخَطْب، والله يقول: (إِنَّه لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (سورة يوسف: 87) ويقول: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىَ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (سورة الأنبياء : 83، 84) ويقول: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيب) (سورة البقرة: 214).
إلى غير ذلك من النصوص في القرآن والسُّنة التي تَغْرِس الأمل في النفوس وتقويه، وتنهى عن اليأس وتنفِّر منه.
3 ـ التحرُّك العملي والسعي بدافع هذا الأمل إلى ما يعوَّض به ما فُقد منه، وعدم اللجوء إلى الاستجداء أو انتظار المعونات، فلا يجوز ذلك إلا عندما تضيق السُّبل وتُغلق كلُّ مَنَافِذ الاعتماد على النفس؛ لأن الاستجداء ونحوه إجراء مُؤقت لا يطول ولا يدوم، وقد وجَّه الرسول رجلاً تعرَّض للسؤال أن يعمل بجهده هو، حيث اشترى له فأسًا يكسب بها ليعُول أهله ونفسه فنجح وكفى نفسه ذُلَّ السؤال.

الواجب على من لم تصبه الكوارث كالزلزال وغيره:

أما الإجراء الواجب على من لم يُصب بمثل هذه الكوارث فيتمثل في أمور منها:
1 ـ أن يُحس الناس بالمَأسَاة التي وَقَعَتْ لمن يشاركهم في الإنسانية، وأن يتقدموا بعمل ما يُمكنهم لتخفيف المأساة، ذلك أن الدِّين ـ إلى جانب الفِطْرَة السليمة ـ يأبى أن يكون الإنسان ـ فضلاً عن المؤمن ـ قاسيَ القلب جامدَ العاطفة، لا يعرف إلا نفسه ولا تَهُمه إلا مصلحته، ففي الحديث “مَنْ لَمْ يهتم بأمر المسلمين فليس منهم” رواه الحاكم والطبراني بسند يُقبل في فضائل الأعمال. ويوضِّح الدافع إلى هذا التحرك قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : “مثلُ المؤمنين في تراحُمِهم وتوادِّهم وتعاطُفِهم كَمَثَلِ الْجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالَسَهِر والحُمَّى” رواه البخاري ومسلم.
2 ـ أن يقوم بالحد الأدنى في المشاركة الوجدانية فيُعزي المُصاب ويسلِّيه ولو بكلمات تخفف وقع المصيبة على نفسه، وأن يدعو القادرين على مساعدته إن لم يستطع هو فالدال على الخير كفاعله، والله يذم قُساة القلوب الذين ينسون المُساءلة يوم القيامة فيقول: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ . فَذَلِكَ الَّذِي يَدُّعُ الْيَتِيم. وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) (سورة الماعون : 1-3).
3 ـ أن يقدِّم له مُواساة عَينية بقدر المُستطاع، وقد حثَّت نصوص القرآن والسُّنة على هذه المواساة، يكفي منها قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم: “من نَفَّس عن مُؤمن كُرْبة من كُرَبِ الدنيا نَفَّس اللهُ عنه كُرْبة مِنْ كُرَب يوم القيامة، والله في عوْن العبد ما دام العبد في عوْن أخيه” رواه البخاري ومسلم ويحذِّر أشد التحذير من البخل بهذه المعونة فيقول “ليس منَّا من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم” رواه الطبراني بإسناد حسن.
4 ـ أن يقوم بواجب المُواساة والمعونة كلُّ قادرٍ على ذَلِكَ، على مستوى الأفراد والجماعات والمَسئولين في الدولة، بل تشارك في ذلك الدول الآخرى، وبخاصة إذا كان الخَطْب جسيمًا لا يواجَه إلا بجهد جماعي على نطاق واسع، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (سورة المائدة : 3).
وفي الحديث “يدُ الله مع الجماعة” رواه الترمذي وحسنه.

وقد روى مسلم في صحيحه أن جماعة بُؤَساء من مُضَر وفدوا على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتغيَّر وجهه لمَا رأي بهم من الفَاقة، فخطب في الناس وحثَّهم على معونتهم، فجمعوا شيئًا كثيرًا سُرَّ به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما رأى من مسارعتهم إلى الخير، وقال: “من سنَّ في الإسلام سُنَّة حَسَنة فَلَه أجْرُهَا وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة”.
وقد جعل الإسلام في بيت المال نصيبًا لأمثال هؤلاء المُحتاجين، وخوَّل لولي الأمر أن يفرض ما يواجه به هذه الكوارث إن ضاقت الموارد، بل له أن يفرض التقشُّف عن الكماليات لمواجهة الضروريات كما حرَّم عمر ـ رضي الله عنه ـ على نفسه أكل اللَّحم عام المجاعة، وعاقب من يُقبلون عليه من أهل اليسار ليشاركوا الفقراء مِحْنَتهم، ويساعدوهم بما يفيض عن حاجتهم وفي ظِل المعنى الإنساني وواجب الراعي نحو الرعية تتوارى المعاني الأخرى التي تفرِّق بين الجماعة كعامل الدين، فالله يقول في مساعدة أسماء بنت أبي بكر لأمها المشركة حين وفدت عليها (لَا يَنْهَاكُمْ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (سورة الممتحنة: 8).
ورأى عمر يهوديًا كبيرًا يتسول ففرض له في بيت المال ما يكفيه قائلاً: ظلمناك إذ أخذنا منك في شبيبتك، وضيعناك في شيبتك.
وفي الكوارث الفادحة التي تتقدَّم فيها الجماعات والدول بالمعونة ، انطلاقًا من المعاني الإنسانية أو تطبيقًا لاتفاقات دولية ونحوها، يتقدم كلٌّ بما يمكن من أنواع المساعدة مع الاهتمام بما هو أشد احتياجًا، من طعام أو كساء، أو دواء ونحو ذلك.

هذه بعض التصورات للخُطة الدينية لمواجهة الكوارث ، بينَّا فيها موقف الدين منها بقدر يسمح ببيان أهمية الروح الدينية في معالجة الأحداث في كل القطاعات، مؤكدين على وجوب الاعتماد على الروح الجماعية، التي يكون العمل على ضوئها مضاعف الأجر والثواب، وعلى الإيمان بأن قانون الأسباب والمسببات لابد أن يُراعى في كلِّ الأنشطة، وإن كان كل شيء يتم بقضاء الله وقدره “اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ”.
والواجب هو غرس هذه المعاني في النفوس بكل الوسائل الممكنة للتعليم والتربية، التي لا تقتصر على جهة معينة، بل يشترك فيها كل من يملك أي قدْر من القدرة على نشرها وعلى التمرين على تطبيقها، مع الأخذ في الاعتبار أهمية البيت في هذا المجال، ففيه تُغرس القيم وتطبق بشكل أقوى إن كان المشرفون عليه على مستوى من التعليم والتدين يتناسب مع خطورة تنشئة الأجيال وإعدادها للمستقبل، كما لا يخفى دور المدرسة ومؤسسات التوجيه وبيوت العبادة في هذا الواجب، والمُهم أن تكون كلُّها متعاونةً تسير في خط واحد، لا يتخلف أحدها ولا يسير في اتجاه مضاد، وإذا صدقت النية وخلص العمل هان الأمر وتحقق الغرض.