ليس على المغتصَبة أي ذنب مادامت قد التزمت بلباسها الشرعي، وحافظت على سلوكها السوي في التعامل مع الآخرين فلا خضوع في القول ولا تسيب في الحديث، وبعدت عن الخلوة المحرمة، وبذلت جهدها في رد الاعتداء عن نفسها.

وهي إذا التزمت بذلك كله ثم بعد ذلك تعرضت لذئب من ذئاب البشر يغتال كرامتها فالواجب عليها أن تمنعه من ذلك و أن تقاومه لتتخلص منه ، ولو أدى ذلك إلى قتل ذلك الصائل المعتدي ؛ لأنه قد جاء في الحديث “من قتل دون عرضه فهو شهيد” ، فإذا هي قاومته وأدت هذه المقاومة فلا شيء عليها ، أما إذا تمكن منها بعد مقاومتها له فإن الإسلام قد أسقط عنها عقوبة الزنا ، فالمكره لا شيء عليه إنما الذنب على ذلك الظالم المعتدي ، وقد أجمع فقهاء الإسلام على أن المرأة إذا استكرهت على الزنا، وغلبت على أمرها فلا يقام عليها الحد لأنها مكرهة، وفي الحديث الصحيح “إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه”.

يقول فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد :
يجب على المرأة المكرهة على الزنا بها أن تدافع عن نفسها ، ولا تستسلم ولو بقتل من يريد فعل الفاحشة بها ، وهذا الدفع عن نفسها واجب ، ولا شئ عليها إذا قتلت من يريد الزنا بها عن طريق الإكراه لما رواه الإمام أحمد و ابن حبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” من قتل دون ماله فهو شهيد ، من قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله فهو شهيد ” . وجاء في شرحه : ( قوله : ” ومن قتل دون أهله فهو شهيد ” أي في الدفع عن بضع – أي عرض – حليلته أو قريبته ) .

وإذا كان للرجل أن يدفع عن زوجته الزنى ، ويقاتل من يريد الزنا بها ولو أدى إلى قتله – أي قتل المدافع – ، فمن باب أولى أن تدفع المرأة هي عن نفسها ، ولا تستسلم إلى هذا المعتدي الظالم الذي يرد هتك عرضها حتى ولو قتلت ؛ لأنها إذا قتلت كانت شهيدة كما يكون زوجها شهيدا إذا قتل دفاعا عن عرضها .

والشهادة درجة عالية لا تنال إلا بموت في سبيل طاعة الله ، وفي سبيل ما يحبه ، مما يدل على أن الله تعالى يحب مثل هذا الدفاع : دفاع الرجل عن عرض زوجته ودفاع المرأة عن نفسها . أما إذا عجزت عن الدفع والدفاع عن نفسها ، وتغلب عليها الفاسق الخبيث فزنى بها مكرهة ، فلا حد عليها ولا تعزير ، وإنما الحد على هذا المعتدي الآثم الخسيس . جاء في المغني لابن قدامة الحنبلي : ( وقال أحمد في امرأة أرادها رجل على نفسها فقتلته لتحصن نفسها ، قال أحمد : إذا علمت أنه لا يريد إلا نفسها فقتلته لتحصن نفسها فلا شئ عليها .
وذكر أحمد حديثا يرويه الزهري عن القاسم بن محمد ، عن عبيد بن عمير أن رجلا أضاف ناسا من هذيل ، فأراد امرأة عن نفسها فرمته بحجر فقتلته . فقال عمر : و الله لا يودى أبدا – أي : لا تدفع عنه دية – ؛ ولأنه إذا جاز الدفع عن ماله الذي يجوز بذله وإباحته ، فدفع المرأة عن نفسها وصيانتها عن الفاحشة وحفظ عرضها من الزنا الذي لا يباح بحال ولا يجوز به البذل أولى من دفع الرجل عن ماله .
وإذا ثبت هذا فإنه يجب عليها أن تدفع عن نفسها إن أمكنها ذلك ؛ لأن التمكين منها محرم وفي ترك الدّفع تمكين ) المغني .أهـ

فلا يجوز للمرأة أن تقتل نفسها خوفا من اغتصابها فإن المتعين عليها هو دفع الظلم عن نفسها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا ، أما أن تقتل نفسها فلا لأن من المقرر شرعا وعقلا أن قتل النفس جريمة من أكبر الجرائم .و لأنها لو قتلت نفسها حينئذ لكانت منتحرة والانتحار حرام .

يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا :
المنتحر يعذب في النار بالصورة التي انتحر بها خالدا مخلدا فيها أبدا ، إن استحل ذلك فقد كفر وجزاؤه الخلود في العذاب ، ،وإن لم يستحله عذب عذابا شديدا جاء التعبير عنه بهذه الصورة للتنفير منه .‏ روى البخارى ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “كان فيمن قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده ، فما رقأ الدم حتى مات ” قال اللَّه تعالى “بادرني عبدي بنفسه ، حرمت عليه الجنة” وفي رواية لهم أن رجلا مسلما قاتل في خيبر قتالا شديدا ومات ، فلما أخبر به الرسول قال “إنه من أهل النار” فعجب الصحابة لذلك ، ثم عرفوا أنه كان به جراح شديد فلم يصبر عليه ، فوضع نصل سيفه بالأرض وجعل ذبابه -‏أي طرفه -‏بين ثدييه ثم تحامل على نفسه حتى مات ، وتقول الرواية إن الرسول أمر بلالا أن ينادي فى الناس أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ، وأن اللّه يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر .‏أهـ

وكذلك لا يجوز لها أن تقتل نفسها بعد اغتصابها لرفضها الحياة فهذا منطق سخيف فقد علمنا ان الانتحار حرام ومن ينتحر يكون أحد اثنين إما أن يكون مستحلا لفعله فهذا كفر ، وإما ألا يكون مستحلا فهذه معصية وكبيرة من الكبائر ، ثم إنها في نظر الشرع الحنيف غير ذات ذنب لأن الله رفع الإثم والحرج عن المستكره يقول تعالى : (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) وفي الحديث الشريف :” إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ” وهي مستكرهة .
أما إذا هي انتحرت وقتلت نفسها فتنقل حالتها من حال الفتاة التي ظلمت من الآخرين إلى حال الفتاة التي ظلمت نفسها فهناك كانت مظلومة ،وهنا تصير ظالمة ، هناك وجدت في الشرع ما يقف جانب حالها المهضوم ،أما هنا فالشرع يقف في وجهها .

أما عن رفضها الحياة بعد ضياع شرفها فهذا يعد من تلبيس إبليس عليها ومدخل من مداخل الشيطان ليبعدها عن الطريق السوي ويجعلها من أهل النار ، والذي عليها أن تطيع الله سبحانه وأن تعصي أوامر الشيطان فإن الشيطان للإنسان عدو مبين .

والخلاصة :
1-أن على الفتاة المسلمة أن تلتزم بالضوابط الشرعية في تعاملاتها مع الآخرين .
2-إذا تعرضت للاغتصاب وجب عليها أن تدافع عن نفسها حتى ولو كان في ذلك قتلها أو قتل ذلك المجرم المعتدي .
3-إذا هي فعلت ذلك و لم تستطع حماية نفسها فلا ذنب عليها إنها حينئذ مكرهة .
4-يحرم عليها قتل نفسها في أي حال من الأحوال لأن قتل النفس حرام ، فقبل الاغتصاب هي لم تعلم الغيب فإن هي قتلت نفسها من أدرها أن هذا الاغتصاب سيحدث .
5-كذلك يحرم عليها قتل نفسها بعد الاغتصاب ؛ لأن هذا مسلك من مسالك الشيطان .