ما زعمه بعض الناس من دعوى الاستغناء بالقرآن عن السنة، بدليل قول الله تعالى : (تبيانًا لكل شيء) (النحل: 89) زعم باطل ودعوى مردودة، يردها القرآن نفسه، لأن مما بينه القرآن أن الرسول مبين لما أنزل الله: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) (النحل: 44)، كما بين أن طاعة الرسول واجبة، لأنها من طاعة الله تعالى.

وتردها السنة والإجماع، كما روى البيهقي بسنده عن أيوب السختياني: أن رجلاً قال لمطرف بن عبد الله، لا تحدثونا إلا بما في القرآن. فقال مطرف: إنا والله ما نريد بالقرآن بدلاً، ولكنا نريد من هو أعلم بالقرآن منا – يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أيوب: إذا حدَّثتَ الرجل بسنة، فقال: دعنا من هذا، وأنبئنا عن القرآن، فاعلم أنه ضال. (مفتاح الجنة للسيوطي ص 35 – 36).

وقصارى القول – كما يقول العلامة الداعية الدكتور مصطفى السباعي – رحمه الله – (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص 165 ط. ثانية):
إن إنكار حجية السنة والادعاء بأن الإسلام هو القرآن وحده لا يقول به مسلم يعرف دين الله وأحكام شريعته تمام المعرفة، وهو يصادم الواقع، فإن أحكام الشريعة إنما ثبت أكثرها بالسنة، وما في القرآن من أحكام إنما هي مجملة وقواعد كلية في الغالب، وإلا فأين نجد في القرآن أن الصلوات خمسة وأين نجد ركعات الصلاة، ومقادير الزكاة وتفاصيل شعائر الحج وسائر أحكام المعاملات والعبادات؟

قال ابن حزم رحمه الله:“ونسأل قائل هذا القول الفاسد: في أي قرآن وجد أن الظهر أربع ركعات، وأن المغرب ثلاث ركعات، وأن الركوع على صفة كذا، والسجود على صفة كذا، وصفة القراءة والسلام، وبيان ما يُحتسب في الصوم، وبيان كيفية زكاة الذهب والفضة، والغنم والإبل والبقر، ومقدار الأعداد المأخوذة منها الزكاة، ومقدار الزكاة المأخوذة، وبيان أعمال الحج من وقت الوقوف بعرفة، وصفة الصلاة بها وبمزدلفة، ورمي الجمار، وصفة الإحرام، وما يُجتنب فيه، وقطع يد السارق، وصفة الرضاع المحرِّم، وما يحرم من المأكل، وصفتا الذبائح والضحايا، وأحكام الحدود، وصفة وقوع الطلاق، وأحكام البيوع، وبيان الربا، والأقضية والتداعي، والأيمان والأحباس (يعنى: الأوقاف) والعمرى، والصدقات، وسائر أنواع الفقه، وإنما في القرآن جمل لو تركنا وإياها لم ندر كيف نعمل فيها، وإنما المرجوع إليه في كل ذلك، النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الإجماع إنما هو على مسائل يسيرة فلابد من الرجوع إلى الحديث ضرورة، ولو أن امرأً قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن، لكان كافرًا بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر (يشير إلى قوله تعالى: “أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر، إن قرآن الفجر كان مشهودًا” ..الإسراء: 78)، لأن ذلك هو أقل ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر في ذلك، وقائل هذا كافر مشرك حلال الدم والمال، وإنما ذهب إلى هذا بعض غالية الرافضة ممن قد اجتمعت الأمة على كفرهم؛ ولو أن امرأً لا يأخذ إلا بما اجتمعت عليه الأمة فقط، وترك كل ما اختلفوا فيه مما قد جاءت فيه النصوص، لكان فاسقًا بإجماع الأمة، فهاتان المقدمتان توجب بالضرورة الأخذ بالنقل. (لإحكام لابن حزم -79/2 – 80).