حماية المسلم من نفسه وضبط سلوكه الاستهلاكي هي المقصد الذي سعت إليه الأحكام الفقهية في الإسلام في تعاملها مع قضية المستهلك، ولعل في قول عمر بن الخطاب رضي الله “أوَ كلما اشتهيتم اشتريتم!” لجابر بن عبد الله، حينما رأى في يديه درهما سيشتري به لحما، يعكس مدى الرغبة في أن تكون حماية المسلم ذاتية.
ولعل أيضا الرسالة الحقيقية التي أراد عمر رضي الله عنه توجيهها إلى جابر تبدو حينما أتبع كلامه مخاطباه إياه”.. ما يريد أحدكم أن يطوي بطنه لابن عمِّه وجاره! أين تذهب عنكم هذه الآية: {أذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}” (الأحقاف: 20).
ولما ارتفعت أسعار السلع على الناس واشتكوا لعمر رضي الله عنه فرد عليهم قائلا “أرخصوها بالاستغناء”. إذن.. وضع عمر قاعدتين ذهبيتين هما: “أوكلما اشتهيت اشتريت”، “أرخصوها بالاستغناء!!”، ولو طبقهما الناس ما وقعوا تحت سلطان التجار الذين يستغلون حاجة الناس وشغفهم بالشراء لزيادة السلع أضعافا مضاعفة.
ولقد حرص الإسلام على حماية المستهلك، وحماية المنتج بدرجة متساوية، ووضع لكل منها من الضوابط والأسس ما ينظم العلاقة بينهما، حتى لا يطغى أحد على أحد؛ ففي مجال الإنتاج نبه القرآن الكريم على الثروات الطبيعية في البر والبحر، وحث على العمل وأرشد إليه، وأمر المسلمين بالمحافظة على الموارد الطبيعية، والإنتاج في دائرة الحلال المباح، والابتعاد عن الحرام، كما أمرهم بإنتاج كل ما يعود على الفرد والأمة بالنفع، ونهاهم عن إنتاج كل ما يؤثر بالضرر على الفرد والمجتمع.
وقد أخذ الفقهاء من فحوى النصوص القرآنية والإرشادات النبوية ما جعلهم يتفقون على أن إنتاج سلعة، أو آلة، أو وجود حرفة من الحرف أو صناعة من الصناعات يكون فرضا واجبا على عموم الأمة، تأثم الأمة كلها لو لم يقم بعض أفرادها به، حيث لا تلجأ إلى غيرها فتهون على نفسها، وتهون في أعين أعدائها (واليد العليا خير من اليد السفلى)، ومن يهن يسهل الهوان عليه!!.
تحريم الاحتكار:
كما حرم الإسلام الاحتكار ونهى عنه، وتزداد حرمته إن كانت السلعة من السلع الضرورية التي لا يستطيع الإنسان أن يستغني عنها، أيضا نهى الإسلام عن الغش وحذر منه، “من غشنا فليس منا”، ونهى أن يستغل البائع سذاجة المشتري وعدم خبرته في إيهامه بجودة السلع، ولذلك نهت الشريعة عن الغرر والتدليس وأوجبت رد السلعة على البائع إن كان ثمة جهالة فاحشة أو غرر لا يحتمل.
وفي مجال الاستهلاك حث الإسلام على الإنفاق على الطيبات ومحاربة الشح والتقتير، ومقاومة الترف والسرف والتبذير، وحمل القرآن على الترف والمُتْرَفين كما نفّر من الاستدانة -إلا في حالة الضرورة أو الاحتياج الشديد- كما نهت الشريعة عن تبديد الأصول الثابتة، وحثت على المحافظة عليها، ونهت الشريعة عن إتلاف المال أو إهماله وإضاعته، وقد أنكر النبي ﷺ على مَنْ تركوا الشاة الميتة فلم ينتفعوا بجلدها، فقد روى الشيخان عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ مرَّ بشاةٍ ميتة فقال: “هلَّا استمتعتم بإهابِهَا؟ (جلدها)، قالوا: إنها مَيْتَة قال: “إنَّما حُرِّمَ أكلُها” (متَفق عليه عن ابن عباس، كما في اللؤلؤ والمرجان “205”).
ومن أجل ذلك –أيضا- عنون البخاري في صحيحه فقال: باب: هل تُكْسَر الدِّنَان التي فيها خمر أو أن تُخْرَق الزِّقاق (أي القِرَب التي فيها الخمر)؟ وقال الحافظ ابن حجر في شرحه: لم يبين الحكم؛ لأن المعتمد فيه التفصيل، فإن كانت الأوعية يراق ما فيها، وإذا غُسِلَت وطَهُرَت وانتفع بها، لم يَجُزْ إتلافها، وإلا جاز.
إن ما تقدم يبين أن للإسلام نظرة متكاملة لحماية المستهلك يؤسسها في بادئ الأمر على حماية النفس وردع المسلم لشهواته الاستهلاكية.