اختلفت آراء الفقهاء ورجال القانون في هذا الموضوع، وبعد استعراض أدلَّتهم وما جاء في كتُب الفقْه نرى ما يأتي:
أولاً: إذا كان المنقول منه ميِّتًا:
1 – إن كان قد أوْصى أو أذِنَ قبْل وفاته بهذا النَّقل فلا مانع من ذلك حيث لا يُوجد دليل يُعتمد عليه في التَّحريم وكرامة أجزاء الميِّت لا تَمنع من انتفاع الحي بها، تقديمًا للأهمِّ على المُهم، والضَّرورات تُبيح المحْظورات كما هو مقرَّر .
2 – إن لم يوصِ أو لم يأذن قبل موته، فإن أذِن أولياؤه جاز، وإن لم يأذَنوا: قِيل بالمنْع وقيل بالجواز، ولا شك أن الضرورة في إنقاذ الحيِّ تُبيح المحْظور. وهذا النقل لا يُصار إليه إلا للضرورة.
ثانيا: إذا كان المنقول منه حيًّا:
1 – إن كان الجزء المنقول يُفضي إلى موته مثل القلب كان النقل حرامًا مطلقًا، أي سواء أذِن فيه أم لم يأذَن؛ لأنه إن أذن كان انتحارًا، وإن لم يأذن كان قتلاً لنفس بغير حق، وكلاهما محرَّم كما هو معروف.
2 – إن لم يكن الجزْء المنقول مُفضيًا إلى موته، على معنى أنه يمكن أن يعيش بدونه فينظر: إن كان فيه تعطيل له عن واجب، أو إعانة على محرَّم كان حرامًا، وذلك كاليدين معًا أو الرِّجلين معًا، بحيث يعجَز عن كسب عيْشه أو يسلُك سبُلاً غير مشروعة وفي هذه الحالة يَستوي في الحُرْمة الإذْن وعدم الإذْن.
3 – إن لم يكن فيه ذلك كنقل إحدى الكِلْيتين أو العَيْنَيْن أو الأسنان أو بعض الدم، فإن كان النقل بغير إذْنِه حَرُم، ووجَب فيه العِوض، على ما هو مفصَّل في كتب الفقه في الجناية على النفس والأعضاء، وإن كان بإذنه قال جماعة بالتَّحْريم، واحتجَّ بعضهم عليه بكرامة الآدمي التي تتنافى مع انتفاع الغير بأجزائه، وبأنَّ ما يُقطع منْه يجب دفْنه. يقول النَّوَوي في حُرْمة وصل الشعر بشعر الآدمي: لأنَّه يَحرُم الانتفاع بشعْر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته، بل يُدْفن شعْره وظُفْره وسائر أجزائه(1). ويمكن الرد على ذلك بأن وصْل الشعر بالشعر مخْتلَف في حرمته إذا كان لغير الغش والتدْليس أو الفتنة. وبأن وجوب دفْنه ليس عليه دليل صحيح. قال ابن حَجَر: وفي حديثٍ جوازُ إبقاء الشعر وعدم وجوب دفنه(2)، وبأن الضرورات تُبيح المحْظورات.
واحتج بعض هؤلاء المحرِّمين أيضًا بأن جسم الإنسان ليس مِلْكًا له فلا يجوز التصرُّف فيه. وهذا كلام غير محرَّر، وليس عليه دليل مُسلَّم، فإن الذي لا يَملكه الإنسان هو حياته وروحه، فلا يجوز الانتحار ولا إلقاء النفس في التهلكة إلا للضَّرورة القُصوى وهى الجهاد والدِّفاع عن النَّفس فقد أمر به الإسلام، أما الإنْسان من حيث أجْزاؤه المادِّية فهو مالكها، له أن يتصرف فيها بما لا يضرُّه ضررًا لا يُحتمل، فالإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار.
هذا هو ملخَّص الحكم في الموضوع. على أن الحكم في بقاء الجسم وعدمه بعد نقل العضو منه يُرجع فيه إلى الثقات المختصين. وعلى أن يكون هناك يقين أو ظن غالب بانتفاع المنقول إليه بهذه الأجزاء، وإلا كان النقل عبثًا وإيلامًا لغير حاجة، ونحن نعلم أن بعض الأجسام ترفض الأجزاء المنقولة إليها، ويُحاول العلم أن يتغلَّب على هذا الرفض، بالمنع أو الحدِّ منه.
وإذا كنا نختار جواز النقل للأعضاء فهل يجوز أن يُؤخذ عِوض للعضو المنقول؟ يرى جماعة عدم جوازه، محتجِّين بحرمة بيع الآدمي الحُرِّ، كلِّه أو بعضه، لحديث ” قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمَه خصمتُه: رجل أُعطي بي ثم عذر، ورجل باع حرًّا وأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى ولم يوفِّه “ـ رواه البخاري وغيره ـ. ويرى آخرون جواز أخذ العِوَض كثمن أو هبة، قياسًا على بيْع المُرضع لبنها، ولعدم ورود دليل يحرِّمه، والحديث المذْكور هو للنهي عن ضرب الرِّق على غير الرقيق والاتِّجار فيه بالبَيْع كما كان يَحْصل في الجاهلية من خَطْف الأحْرار وبَيعهم.
وهل لو كان المنقول منه عبدًا وباع عضوًا منه لآخر هل يأخذ سيده ثمنَه بناء على أنه يَمْلك رقبته؟ والحديث في بيْع الحرِّ وليس في بيع العبْد، كما أن الذي يأكل ثمن الحرِّ هو من اعتَبَدَهُ وباعه وليس هو الحرَّ نفسه الذي يأكل ثمنه، فالاستدلال بالحديث المذكور غير مُسلَّم.
ومهما يكن من شيء فإن الأفضل عدم المساومة على العُضْو المنْقول، فإن إنقاذ حياة المحتاج إليه لا يعدله أي عوض، لكن لا مانع من قَبُول الهديَّة التي تُعطَى بسخاء نفْس دون شرط سابق(3).
الهوامش
(1) المجموع ج3: ص149، وشرح مسلم ج14 ص:103.
(2) فتح الباري ج 12:ص497.
(3) الإسلام ومشاكل الحياة. ص21.