عن عمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وسلم رأي رجلا في يده حلقة من صفر فقال ما هذه ؟ قال من الواهنة ، فقال انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا” أخرجة أحمد 4/445 وابن حبان 7/628 والحاكم 4/216. .

عقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بابا في كتابه ( التوحيد) بعنوان : (من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه) ثم أورد تحت هذا الباب الآتي :-

عن عمران بن حصين رضي الله عنه : أن « النبي صلى الله عليه وسلم : رأى رجلا في يده حلقة من صفر ، فقال : ” ما هذه ” ؟ قال : من الواهنة ، فقال : ” انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنًا ، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا » . رواه أحمد بسند لا بأس به .

وله عن عقبة بن عامر مرفوعا : « من تعلق تميمة فلا أتم الله له ، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له » .

وفي رواية : « من تعلق تميمة فقد أشرك » .

ولابن أبي حاتم عن حذيفة : أنه رأى رجلا في يده خيط من الحمى ، فقطعه وتلا قوله : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } [ يوسف : 106 ] .

وهذه النصوص تدل على أن من يتخذ خيطا أو حديدة أو نحوهما، وهو يظن أن بها سببا مؤثرا للشفاء فهو مبتدع، مشركا شركا أصغر ، ومن ظن أن هذه الأشياء تدفع الضر بنفسها فهو مشرك شركا أكبر ، ولكن إذا كان في  ألأسورة النحاسية التي تسأل عنها خاصية علاجية كأن  تكون ممغنطة مثلا أو نحو ذلك فلا بأس بها ؛ لأن ذلك يكون من التداوي ، وهو مشروع، وبالجملة فإذا كنت تخذها بناء على قول ألأطباء فلا بأس ، وأما إذا كنت تتخذها بناء على قول المشعوذين أو الواصفين فلا يجوز.

يقول الشيخ العلامة ابن العثيمين – رحمه الله- تعليقا على النصوص السابقة :-

وكان لبس هذه الأشياء من الشرك، لأن كل من أثبت سبباً لم يجعله الله سبباً شرعياً ولا قدرياً، فقد جعل نفسه شريكاً مع الله. فمثلاً: قراءة الفاتحة سبب شرعي للشفاء. وأكل المسهل سبب حسي لانطلاق البطن، وهو قدري، لأنه يعلم بالتجارب والناس في الأسباب طرفان ووسط:

الأول: من ينكر الأسباب، وهم كل من قال بنفي حكمة الله، كالجبرية، والأشعرية.

الثاني: من يغلو في إثبات الأسباب حتى يجعلوا ما ليس بسبب سبباً، وهؤلاء هم عامة الخرافيين من الصوفية ونحوهم.

الثالثة: من يؤمن بالأسباب وتأثيراتها، ولكنهم لا يثبتون من الأسباب إلا ما أثبته الله سبحانه ورسوله، سواء كان سبباً شرعياً أو كونياً. ولا شك أن هؤلاء هم الذين آمنوا بالله إيماناً حقيقياً، وآمنوا بحكمته، حيث ربطوا الأسباب بمسبباتها، والعلل بمعلولاتها، وهذا من تمام الحكمة.

ولبس الحلقة ونحوها إن اعتقد لابسها أنها مؤثرة بنفسها دون الله، فهو مشرك شركاً أكبر في توحيد الربوبية، لأنه اعتقد أن مع الله خالقاً غيره. وإن اعتقد أنها سبب، ولكنه ليس مؤثراً بنفسه، فهو مشرك شركاً أصغر لأنه لما اعتقد أن ما ليس بسب سبباً فقد شارك الله تعالى في الحكم لهذا الشيء بأنه سبب، والله تعالى لم يجعله سبباً.

وطريق العلم بأن الشيء سبب، إما عن طريق الشرع، وذلك كالعسل (فيه شفاء للناس) [النحل: 69]، وكقراءة القرآن فيها شفاء للناس، قال الله تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) [الإسراء: 82]. وإما عن طريق القدر، كما إذا جربنا هذا الشيء فوجدناه نافعاً في هذا الألم أو المرض، ولكن لا بد أن يكون أثره ظاهراً مباشراً كما لو اكتوى بالنار فبرئ بذلك مثلاً، فهذا سبب ظاهر بين، وإنما قلنا هذا لئلا يقول قائل: أن جربت هذا وانتفعت به، وهو لم يكن مباشراً، كالحلقة، فقد يلبسها إنسان وهو يعتقد أنها نافعة، فينتفع لأن للانفعال النفسي للشيء أثراً بيناً، فقد يقرأ إنسان على مريض فلا يرتاح له، ثم يأتي آخر يعتقد أن قراءته نافعة، فيقرأ عليه الآية نفسها فيرتاح له ويشعر بخفة الألم، كذلك الذين يلبسون الحلق ويربطون الخيوط، قد يحسون بخفة الألم أو اندفاعه أو ارتفاعه بناءً على اعتقادهم نفعها. وخفة الألم لمن اعتقد نفع تلك الحلقة مجرد شعور نفسي، والشعور النفسي ليس طريقاً شرعياً لإثبات الأسباب، كما أن الإلهام ليس طريقاً للتشريع.