صلاة التراويح من السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم التطويل في القراءة فيها،فإن وجد من المصلين من يحتمل التطويل في القراءة في التراويح فأمر حسن، فإن لم يوجد ختموا المصحف مرة واحدة، ولا يجوز لأئمة المساجد أن يخففوا القراءة تخفيفاً شديداً، لأن هذا يخل بمقصد الشارع الحكيم من شرعية صلاة التراويح، وأقل ما يقرأ كما قال الإمام أحمد: اقرأ خمساً، ستاً، سبعاً.

يقول الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:

صلاة التراويح من السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم التطويل في القراءة فيها كما ثبت في الحديث عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: (قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ثلاث وعشرين في شهر رمضان إلى ثلث الليل الأول ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل ثم قام بنا ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح قال وكنا ندعو السحور الفلاح) رواه ابن أبي شيبة في المصنف والنسائي وأحمد وإسناده صحيح وصححه الحاكم.

وقال العلامة الألباني: حديث صحيح كما في صلاة التراويح له ص10.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الناس يصلون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان بالليل أوزاعاً -متفرقين- يكون مع الرجل شيء من القرآن فيكون معه النفر الخمسة والستة أو أقل من ذلك أو أكثر فيصلون بصلاته فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من ذلك أن أنصب – أضع – له حصيراً على باب حجرتي ففعلت فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى العشاء الآخرة قالت: فاجتمع إليه منْ في المسجد، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً طويلاً ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه البخاري ومسلم.

وفي صحيح البخاري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً).

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في رمضان في حجرة من جريد النخل …فصلى أربع ركعات يقرأ فيهن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة – يعني صلاة الفجر -) رواه مسلم.

ويلاحظ من خلال هذه الأحاديث تطويل النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة خاصة وفي صلاة التراويح عامة، فلاحظ العبارات التالية:( إلى ثلث الليل الأول) ، ( ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل)، (ثم قام بنا ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح)،(فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً طويلاً) ، (فلا تسل عن حسنهن وطولهن)، (فصلى أربع ركعات يقرأ فيهن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة -يعني صلاة الفجر-).

وهكذا كان الصحابة والتابعون يطيلون صلاة التروايح، فقد روى مالك في الموطأ:(عن داود بن الحصين أنه سمع الأعرج يقول: (ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان قال: وكان القارئ يقرأ سورة البقرة في ثمان ركعات، فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف) وصححه العلامة الألباني في تخريجه لمشكاة المصابيح 1/408.

وعن السائب بن يزيد قال: أمر عمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس في رمضان بإحدى عشرة ركعة فكان القارئ يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام فما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر) رواه مالك والبيهقي بإسناد صحيح كما قال الإمام النووي في المجموع 4/32. وصححه العلامة الألباني في تخريجه لمشكاة المصابيح 1/408.

وعن عبد الله بن أبي بكر قال:(سمعت أبي يقول: كنا ننصرف في رمضان من القيام فنستعجل الخدم بالطعام مخافة فوت السحور. وفي أخرى مخافة الفجر) رواه مالك بسند صحيح كما قال العلامة الألباني في تخريجه لمشكاة المصابيح 1/408.

وروى عبد الرزاق عن الثوري عن القاسم عن أبي عثمان قال: أمر عمر بثلاثة قراء يقرؤون في رمضان فأمر أسرعهم أن يقرأ بثلاثين آية وأمر أوسطهم أن يقرأ بخمس وعشرين وأمر أدناهم أن يقرأ بعشرين) المصنف 4/261.

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي:[وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في قيام رمضان بالليل أكثر من غيره وقد صلى معه حذيفة ليلة في رمضان قال: فقرأ بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران لا يمر بآية تخويف إلا وقف وسأل فما صلى الركعتين حتى جاءه بلال فآذنه بالصلاة) خرجه الإمام أحمد وخرجه النسائي وعنده ( أنه ما صلى إلا أربع ركعات، وكان عمر قد أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما بالناس في شهر رمضان فكان القارئ يقرأ بالمائتين في ركعة حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر) وفي رواية: (أنهم كانوا يربطون الحبال بين السواري ثم يتعلقون بها) وروي أن عمر جمع ثلاثة قراء فأمر أسرعهم قراءةً أن يقرأ بالناس ثلاثين وأوسطهم بخمس وعشرين وأبطأهم بعشرين ثم كان في زمن التابعين يقرؤون بالبقرة في قيام رمضان في ثمان ركعات فإن قرأ بها في اثنتي عشرة ركعة رأوا أنه قد خفف).

قال ابن منصور: سئل إسحاق بن راهوية كم يقرأ في قيام شهر رمضان فلم يرخص في دون عشر آيات فقيل له: إنهم لا يرضون؟ فقال: لا رضوا، فلا تؤمنهم إذا لم يرضوا بعشر آيات من البقرة ثم إذا صرت إلى الآيات الخفاف فبقدر عشر آيات من البقرة، يعني في كل ركعة، وكذلك كره مالك أن يقرأ دون عشر آيات،

وسئل الإمام أحمد عما روي عن عمر كما تقدم ذكره في السريع القراءة و البطيء فقال: في هذا مشقة على الناس ولا سيما في هذه الليالي القصار، وإنما الأمر على ما يحتمله الناس. وقال أحمد لبعض أصحابه وكان يصلي بهم في رمضان: هؤلاء قوم ضعفى اقرأ خمساً ستاً سبعاً قال: فقرأت فختمت ليلة سبع وعشرين.

وقد روى الحسن: أن الذي أمره عمر أن يصلي بالناس كان يقرأ خمس آيات، ست آيات. وكلام الإمام أحمد يدل على أنه يراعي في القراءة حال المأمومين، فلا يشق عليهم. وقاله أيضا غيره من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة وغيرهم.

وقد روي عن أبي ذر  رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بهم ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل وليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل فقالوا له: لو نفلتنا بقية ليلتنا، فقال:إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته) خرجه أهل السنن و حسنه الترمذي. وهذا يدل على أن قيام ثلث الليل ونصفه يكتب به قيام ليلة، لكن مع الإمام. وكان الإمام أحمد يأخذ بهذا الحديث ويصلي مع الإمام حتى ينصرف، ولا ينصرف حتى ينصرف الإمام.

وقال بعض السلف: من قام نصف الليل فقد قام الليل. وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين) يعني أنه يكتب له قنطارٌ من الأجر. ويروى من حديث تميم وأنس مرفوعاً: (من قرأ بمائة آية في ليلة كتب له قيام ليلة) وفي إسنادهما ضعف، وروي حديث تميم موقوفاً عليه وهو أصح. وعن ابن مسعود قال: من قرأ ليلة خمسين آية لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ بمائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ ثلاثمائة آية كتب له قنطار، ومن أراد أن يزيد في القراءة ويطيل وكان يصلي لنفسه فليطول ما شاء كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك من صلى بجماعة يرضون بصلاته…] لطائف المعارف ص 316-318.

وقد رأى جماعة من أهل العلم أنه يستحسن ختم المصحف كاملاً في صلاة التراويح،[ ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ فِي صَلاَةِ التَّرَاوِيحِ لِيَسْمَعَ النَّاسُ جَمِيعَ الْقُرْآنِ فِي تِلْكَ الصَّلاَةِ. وَقَال الْحَنَفِيَّةُ:السُّنَّةُ الْخَتْمُ مَرَّةً، فَلاَ يَتْرُكُ الإِْمَامُ الْخَتْمَ لِكَسَل الْقَوْمِ، بَل يَقْرَأُ فِي كُل رَكْعَةٍ عَشَرَ آيَاتٍ أَوْ نَحْوَهَا، فَيَحْصُل بِذَلِكَ الْخَتْمُ]الموسوعة الفقهية الكويتية 27/14.

وهذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يستأنس له بما ثبت في صحيحي البخاري ومسلم من مدارسة جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، وعرضه عليه.

قال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز: [يمكن أن يفهم من ذلك أن قراءة القرآن كاملة من الإمام على الجماعة في رمضان نوع من هذه المدارسة لأن في هذا إفادة لهم عن جميع القرآن، ولهذا كان الإمام أحمد رحمه الله يحب ممن يؤمهم أن يختم بهم القرآن وهذا من جنس عمل السلف في محبة سماع القرآن كله، ولكن ليس هذا موجباً لأن يعجل ولا يتأنى في قراءته، ولا يتحرى الخشوع والطمأنينة بل تحري هذه الأمور أولى من مراعاة الختمة] مجموع فتاوى ابن باز 15/325.

وقد أحببنا أن ننقل هذه النصوص لأبين حال السلف رضوان الله عليهم في القراءة في صلاة التراويح، وليظهر أن البون بيننا وبينهم صار شاسعاً، فإن كثيراً من أئمة مساجدنا اليوم يقصرون في القراءة في التراويح، بحجة التخفيف في الصلاة، حتى صار بعضهم يصلي العشاء وسنته والتراويح والوتر في ثلث ساعة، وصار الناس يتسابقون إلى هذه المساجد!!

وخلاصة الأمر أن خير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فإن وجد من المصلين من يحتمل التطويل في القراءة في التراويح فأمر حسن، فإن لم يوجد ختموا المصحف مرة واحدة، وإلا فإنه لا يجوز لأئمة المساجد أن يخففوا القراءة تخفيفاً شديداً، لأن هذا يخل بمقصد الشارع الحكيم من شرعية صلاة التراويح، وأقل ما يقرأ كما قال الإمام أحمد: اقرأ خمساً، ستاً، سبعاً.