الكفر فى اللغة: كفر الشيء ستره (‏أي غطاه)‏ والكفر شرعا: أن يجحد الإنسان شيئا مما أوجب الله الإيمان به بعد إبلاعه إليه، وقيام الحجة عليه .‏
وهو على أربعة أنحاء:
كفر إنكار، بأن لا يعرف الله أصلا ولا يعترف به، وكفر جحود، وكفر معاندة، وكفر نفاق .‏
ومن لقي الله بأي شيء من هذا الكفر لم يغفر له،
قال تعالى {‏ ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }‏ النساء ‏116 ، وقد شاع الكفر في مقابلة الإيمان، لأن الكفر فيه ستر الحق، بمعنى إخفائه وطمس معامله، ويأتي هذا اللفظ بمعنى كفر النعمة ، وهو بهذا ضد الشكر .‏
وأعظم الكفر حجود وحدانية الله باتخاذ شريك له، وجحد نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته .‏
والكافر متعارف بوجه عام فيمن يجحد كل ذلك .‏
وإذا كان ذلك هو معنى الإيمان والإسلام والكفر مستفادا من نصوص القرآن والسنة، كان المسلم الذى ارتكب ذنبا وهو يعلم أنه مذنب عاصيا لله سبحانه وتعالى معرضا نفسه لغضبه وعقابه، لكنه لم يخرج بما ارتكب عن ربقة الإيمان وحقيقته، ولم يزل عند وصف الإسلام وحقيقته وحقوقه .‏
وأيا كانت هذه الذنوب التي يقترفها المسلم خطأ وخطيئة، كبائر أو صغائر، لا يخرج بها عن الإسلام ولا من عداد المؤمنين، ذلك مصداقه قول الله سبحانه {‏ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }‏ النساء ‏116 ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبادة بن الصامت في المحلى لابن حزم ج -‏ ‏11 ومثله رواه مسلم قال :(‏أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعة ألا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا يعضه بعضنا بعضا (‏أي لا يرم أحدنا الآخر بالكذب والبهتان)‏ فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أتى منكم حدا فأقيم عليه فهو كفارة له ، ومن ستر الله عليه، فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له)‏ وبهذا يكون تفسير خلود العصاة فى نار جهنم الوارد في بعض آيات القرآن الكريم مثل قوله تعالى {‏ ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين }‏ النساء ‏14 ، يمكن تفسير هذا -‏ والله أعلم -‏ بالخلود الآبد المؤبد إذا كان العصيان بالكفر أما إذا كان العصيان بارتكاب ذنب -‏ كبيرة أو صغيرة، خطأ أوخطئية دون إخلال بالتصديق والإيمان .‏
كان الخلود البقاء فى النار مدة ما حسب مشئية الله وقضائه، يدل على هذا أن الله سبحانه ذكر فى سورة الفرقان عددا من كبائر الأوزار (‏ الآيتان ‏68، ‏69 من سورة الفرقان )‏ ثم أتبعها بقوله سبحانه {‏ إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما .‏
ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا }‏ الفرقان ‏70 ، ‏71 وهذا لا يعني الاستهانة بأوامر الله طمعا في مغفرته، أو استهتارا بأوامره ونواهيه، فإن الله أغير على حرماته وأوامره من الرجل على أهله وعرضه، كما جاء فى الأحاديث الشريفة.‏
ذلك هو الكفر، وتلك هي المعصية، ومنهما تحدد الكافر، والعاصي أو الفاسق، وأن هذين غير ذاك في الحال وفي المآل .‏
وعليه‏ فهل يجوز تكفير المسلم بذنب ارتكبه ؛
أو تكفير المؤمن الذي استقر الإيمان فى قلبه ومن له الحكم بذلك إن كان له وجه شرعى قال الله سبحانه {‏ ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة }‏ النساء ‏94 ، وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (‏ثلاث من أصل الإيمان وعد منها الكف عمن قال لا إله إلا الله ، لا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل )‏ (‏ رواه أبو داود )‏ وقوله (‏لا يرمي رجل رجلا بالفسق، أو يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك)‏ .‏
(‏ رواه الامام أحمد فى مسنده ج -‏ ‏18 )‏ من هذه النصوص نرى أنه لا يحل تكفير مسلم بذنب اقترفه سواء كان الذنب ترك واجب مفروض، أو فعل محرم منهى عنه، وأ، من يكفر مسلما أو صفه بالفسوق، يرتد عليه بهذا الوصف إن لم يكن صاحبه على ما وصف .‏
من له الحكم بالكفر أو بالفسق قال الله تعالى {‏ فإن تنازعتم فى شيء فردوه إلى الله والرسول }‏ النساء ‏59 ، وقال سبحانه {‏ فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم }‏ التوبة ‏122 ، وقوله {‏ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }‏ الأنبياء ‏7 ، وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رواه الزهري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال (‏سمع النبى صلى الله عليه وسلم قوما يتمارون فى القرآن (‏يعني يتجادلون في بعض آياته)‏ فقال إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضا، ولا يكذب بعضه بعضا، فما علمتم منه فقولوا وما جهلتهم منه، فكلوه إلى عالمه)‏ .‏
هذا هو القرآن، وهذه هي السنة، كلاهما يأمر بأن النزاع فى أمر من أمور الدين يجيب أن يرد إلى الله وإلى رسوله، أى إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله، وأن من يتولى الفصل وبيان الحكم هم العلماء بالكتاب وبالسنة، فليس لمسلم أن يحكم بالكفر أو بالفسق على مسلم، وهو لا يعلم ما هو الكفر، ولا ما يصير به المسلم مرتدا كافرا بالإسلام، أو عاصيا مفارقا لأوامر الله .‏
إذ الإسلام عقيدة وشريعة .‏
له علماؤه الذين تخصصوا في علومه تنفيذا لأمر الله ورسوله فالتدين للمسلمين جميعا، ولكن الدين وبيان أحكامه وحلاله وحرامه لأهل الاختصاص به وهم العلماء، قضاء من الله ورسوله .‏