التَّحايا بين الناس أمر مألوف منذ القِدَم ، ولكلِّ جماعة طريقتُها الخاصة في ذلك، وقد يكون بعضها موضعَ نقْد ونُفُور عند جماعة أخرى ، لكنَّ لها دَلالتها الطَّيِّبة في عُرْفهم .
ولمَّا كان الإسْلام دِينَ الحُب والسَّلام كان من السنة إفشاء السلام ودَعْم أركانه في كل المجالات ، ومن مظاهر ذلك “التحية”، وهي أدنى ما يُعْمل في هذا السبيل ، لعدم الكُلْفة البدنية أو المالية ، ولأثرها الطيب في النفوس ، ولهذا رغَّب الإسلام فيها ، ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في إجابة السائل عن أي خصال الإسلام خيرٌ ، فقال رسول الله – ﷺ – ” تُطعم الطعام ، وتُقرئ السلام على مَن عَرَفْت ومَن لم تعرف ” ، أي من المسلمين ، كما قال شُرَّاح الحدِيث توفيقًا بين الأحاديث.
وكان السلام مِفْتاح الصلة بين الملائكة والمخلوق الجديد وهو آدم ، فعندما نفخ الله فيه الروح قال له: اذهب فسَلِّم على أولئك ، نفر من الملائكة جلوس ، فاستمع ما يُحَيونك فإنها تحيَّتك وتحية ذريتك ، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله . رواه البخاري ومسلم.
وفي بيان أثره يقول الحديث الذي رواه مسلم ” ألا أدُلكم على شيء إذا فعلتموه تَحَابَبْتم، أَفْشُوا السلام بينكم”، والتحيَّة بالسلام بديل عن تحيَّة الجاهلية : عِمْ صباحًا ، عِمْ مساًء ، وهي تُشْبه ما تَعَارَف الناس عليه اليوم ، مثل: صباح الخير ، ومساء الخير ، بون جور ، جود مورنينج ، بون سوار ، جود نايت .
وإلقاء السلام سُنَّة لها ثوابها، والرَّدُّ واجبٌ يُعاقَب مَنْ تَرَكَهُ ويُجْزِئُ عن الجَمَاعة واحِد، أمَّا العِبَارَات الأُخْرَى فليس لها هذا الثواب، وإن كان لها ثواب الدُّعاء بِالْخَيْر، ولا يجب الردُّ عليها ، فلو ردَّ بمثل هذه العبارات كان مجرد دعاء ، وهو حُرٌّ يقوله أو لا يقوله .
ويرى النووي كما في ” الأذكار” : أن الأفْضل عدم الرَّد بهذه العِبَارات زجْرًا لمَنْ بَدَأ بها في تَخَلُّفه وإهْمَالِهِ تحيةَ الإسلام وتأدِيبًا له ولِغَيْره في الاعْتناء بالابتداء بالسلام .