لا يشرع وضع الجريد ولا الزهور ولا الشجر فوق القبر، وأما ما رواه البخاري وغيره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال: “إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، أما هذا فكان لا يستنزه من البول، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة، ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين، ثم غرس على هذا واحدًا، وعلى هذا واحدًا، وقال:لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا”.

فقد أجاب عنه الخطابي بقوله: وأما غرسه شق العسيب على القبر، وقوله: “لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا” فإنه من ناحية التبرك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالتخفيف عنهما، وكأنه صلى الله عليه وسلم جعل مدة بقاء النداوة فيهما حدًا لما وقعت به المسالة من تخفيف العذاب عنهما، وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس. والعامة في كثير من البلدان تفرش الخوص في قبور موتاهم، وأراهم ذهبوا إلى هذا وليس لما تعاطوه وجه.

وما قاله الخطابي صحيح، وهذا هو الذي فهمه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم ينقل عن أحد منهم أنه وضع جريدًا ولا أزهارًا على قبر سوى بريدة الأسلمي، فإنه أوصى أن يجعل في قبره جريدتان، رواه البخاري ويبعد أن يكون وضع الجريد مشروعًا ويخفى على جميع الصحابة ما عدا بريدة.

قال الحافظ في الفتح: وكأن بريدة حمل الحديث على عمومه، ولم يره خاصًا بذينك الرجلين. قال ابن رشيد: ويظهر من تصرف البخاري أن ذلك خاص بهما، فلذلك عقبه بقول ابن عمر حين رأى فسطاطًا على قبر عبد الرحمن: انزعه يا غلام فإنما يظله عمله.
وفي كلام ابن عمر ما يشعر بأنه لا تأثير لما يوضع على القبر، بل التأثير للعمل الصالح.