يقول الدكتور يوسف القرضاوي:-

إن عدم الثقة في الآخرين يدفع إلى عمل قلبي باطن هو سوء الظن، وإلى عمل بدني ظاهر هو التجسس، والإسلام يقيم مجتمعه على نظافة الظاهر والباطن معا ولهذا قرن النهي عن التجسس بالنهي عن سوء الظن. وكثيرا ما كان هذا سببا لذاك.

إن للناس حرمة لا يجوز أن تهتك بالتجسس عليهم وتتبع عوراتهم، حتى وإن كانوا يرتكبون إثما خاصا بأنفسهم، ما داموا مستترين به غير مجاهرين.

عن أبي الهيثم كاتب عقبة بن عامر -أحد الصحابة- قال: قلت لعقبة بن عامر: إن لنا جيرانا يشربون الخمر، وأنا داع لهم الشرط ليأخذوهم. قال: لا تفعل وعظهم وهددهم قال: إني نهيتهم فلم ينتهوا، وأنا داع لهم الشرط ليأخذوهم. قال عقبة: ويحك لا تفعل؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من ستر عورة فكأنما استحيا موءودة في قبرها”. مسند الامام احمد

وقد جعل النبي عليه الصلاة والسلام تتبع عورات الناس من خصال المنافقين الذين قالوا آمنا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم، وحمل عليهم حملة عنيفة على ملأ الناس، فعن ابن عمر قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: يا معشرَ من آمنَ بلسانِه ولم يدخلْ الإيمانُ قلبَه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتَّبعوا عوراتِهم ، فإنه من اتَّبعَ عوراتِهم يتَّبعُ اللهُ عورتَه ، ومن يتَّبعِ اللهُ عورتَه يفضحُه في بيتِه. أخرجه احمد وأبو داود

ومن أجل الحفاظ على حرمات الناس حرم الرسول صلى الله عليه وسلم أشد التحريم أن يطلع أحد على قوم في بيتهم بغير إذنهم، وأهدر في ذلك ما يصيبه من أصحاب البيت قال: “من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه”. أخرجه البخاري

كما حرم أن يتسمع حديثهم بغير علم منهم ولا رضا. قال: “من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة. والآنك: الرصاص المذاب.

وأوجب القرآن على كل من أراد أن يزور إنسانا في بيته ألا يدخل حتى يستأذن ويسلم: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون. فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم) سورة النور:27-28.

وفي الحديث: “أيما رجل كشف سترا فأدخل بصره قبل أن يؤذن له فقد أتى حدا لا يحل له أن يأتيه”.

ونصوص النهي عن التجسس وتتبع العورات عامة تشمل الجميع وقد روى معاوية عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم”.

هذا ولم يرد أن المتجسس عليه عقوبة في الدنيا، بل العقوبة الشديدة هي مآله يوم القيامة.