التأمين على الحياة بالطريقة المعروفة لدى شركات التأمين حرام شرعا ، وهذا ما أفتت به مجامع الفقه في العالم الإسلامي ، وقد بدأت بعض الشركات في بعض البلاد فتح شركات للتأمين التعاوني الإسلامي  فالتأمين مع هذه الشركات جائز ، لكنها ليست منتشرة في كل البلاد.

يقول الأستاذ الدكتور علي محيي الدين القره داغي :-

التأمين على الحياة عن طريق شركات التأمين التجارية غير جائز عند جميع الفقهاء المعاصرين الثقات، ولذلك على من كان قد اشترك في مثل هذه الشركات إلغاء وثيقة التأمين وأخذ ما دفعه فقط لنفسه .
أي أن يأخذ رأس ماله الذي دفعه للشركة ثم يتخلص من بقية الأموال التي تحققت بسببه ، علمًا بأنه يوجد الآن بعض شركات تأمين إسلامية تقوم بأعمال التكافل الإسلامي الذي يحقق الغرض المنشود من التأمين على الحياة. انتهى.

ويقول فضيلته أيضا :-

عرضت هذه المسألة على الندوة الثالثة لبيوت التأمين لكويتي عام 1993م في موضوع “التأمين على الحياة” وأنا قدمت فيه بحثاً وذكرت فيه بدائل فكان ضمن قرارات أو توصيات أو فتاوى الندوة هو أن التأمين على الحياة بصورته التقليدية القائمة على المعاوضة ..الخ طبعاً ممنوع، بينما لا مانع شرعاً من التأمين على الحياة إذا أقيم على أساس التأمين التعاوني التكافل، وذلك من خلال التزام المتبرع بأقساط غير مرتجعة وتنظيم تغطية الأخطار التي تقع على المشتركين، وقد قدمت فعلاً بديل عملي للشركة الإسلامية القطرية للتأمين وهي الآن تحت دراسة مجلس الإدارة وهو يقوم على مسألتين: على مسألة التكافل وعلى مسألة الاستثمار مثلما أشار إليه فضيلة شيخنا العزيز، أنه يستثمر هذه الأموال وفي نفس الوقت هناك تبرع من الآخرين في حالة ما إذا كان هذا الشخص توفي قبل الوقت المحدد فبقية الناس الآخرين يساعدونه، وبالمناسبة الحقيقة أن التأمين على الحياة ظُلم من خلال اسمه، الناس فهموا أن التأمين على الحياة متعارض مع مسألة التوكل على الله، ليس المقصود بالتأمين على الحياة هذا المعنى.

إنما التأمين على الحياة له عدة أنواع، فالتأمين على الحياة هو جزء من التأمين على الأشخاص في مقابل التأمين على الأضرار، والتأمين على الأشخاص منها التأمين على الحياة، والتأمين على الحياة له عدة حالات، التأمين لحالة الوفاة ولحالة البقاء، هذه كلها ليس لها علاقة بقضية التوكل، التوكل هو شيء لا يمكن أن يعارضه أي مسلم، إنما هذا يدخل تحت قول الله تعالى (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً).
فالبحث عن المستقبل والتفكير في المستقبل في اعتقادي أنه جائز ولكن بشرط واحد أن يصاغ هذا العقد وأن تصاغ هذه الشركة صياغة إسلامية لأنه الآن التأمين كفكرة بجميع أنواع التأمين في اعتقادي ليس هناك أي إشكال، لكن التأمين كعقد صاغها عقول اليهود من ناحية الجشع وأكل أموال الناس بالباطل والغرر والربا وغير ذلك، فلذلك لوضع التأمين الحالي على ضوء التأمين التعاوني أو التأمين الإسلامي الذي تفضل به شيخنا كلامه صحيح ليس تأمين تعاوني 100%، إنما البديل الإسلامي اليوم تأمين تعاوني فيه أيضاً جانب من المعاوضة وهو ما تفضل به “هِبة بعِوض” ففيه من هنا وهناك وليس هناك محظور شرعي، بهذه المواصفات ليس هناك أي مانع ولذلك القرارات التي صدرت في المؤتمر الاقتصادي الأول الإسلامي الذي عُقد في مكة المكرمة في عام 1396هـ وحضرة حوالي 200، حرَّموا التأمين التقليدي وأجازوا التأمين الإسلامي بهذه المواصفات. انتهى.

وجاء في مجمع الفقه الإسلامي بهذا الصدد:
بعد الدراسة الوافية، وتداول الرأي في ذلك.. قرر مجلس المجمع الفقهي بالإجماع عدا فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا تحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه، سواء كان على النفس أو البضائع التجارية أو غير ذلك للأدلة الآتية:

الأول: عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية المشتملة على الغرر الفاحش؛ لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يعطي أو يأخذ؛ فقد يدفع قسطا أو قسطين، ثم تقع الكارثة؛ فيستحق ما التزم به المؤمِّن، وقد لا تقع الكارثة أصلا فيدفع جميع الأقساط ولا يأخذ شيئًا، وكذلك المؤمِّن لا يستطيع أن يحدد ما يعطي ويأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده، وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “النهي عن بيع الغرر”.

الثاني: عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة؛ لما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيها، ومن الغنم بلا مقابل أو مقابل غير مكافئ؛ فإن المستأمن قد يدفع قسطًا من التأمين، ثم يقع الحادث؛ فيغرم المؤمِّن كل مبلغ التأمين، وقد لا يقع الخطر، ومع ذلك يغنم المؤمِّن أقساط التأمين بلا مقابل، وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قمارًا، ودخل في عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} والآية بعدها.

الثالث: عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنسأ فإن الشركة إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا فضل، والمؤمِّن يدفع للمستأمن بعد مدة؛ فيكون ربا نسأ، وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نسأ فقط، وكلاهما محرم بالنص والإجماع.

الرابع: عقد التأمين التجاري من الرهان المحرم؛ لأن كلا منهما فيه جهالة وغرر ومقامرة، ولم يبح الشرع من الرهان إلا ما فيه نصرة للإسلام وظهور، وقد حصر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخصة الرهان بعوض في ثلاثة بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل”، وليس التأمين من ذلك ولا شبيها به؛ فكان محرمًا.

الخامس: عقد التأمين التجاري فيه أخذ مال الغير بلا مقابل، والأخذ بلا مقابل في عقود المعاوضات التجارية محرم لدخوله في عموم النهي في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ}.

السادس: في عقد التأمين التجاري الإلزام بما لا يلزم شرعًا فإن المؤمن لم يحدث الخطر منه ولم يتسبب في حدوثه، وإنما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمن على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه المستأمن له، والمؤمِّن لم يبذل عملا للمستأمن؛ فكان حرامًا.

وأما ما استدل به المبيحون للتأمين التجاري مطلقًا أو في بعض أنواعه.. فالجواب عنه ما يلي:
1- الاستدلال بالاستصلاح غير صحيح؛ فإن المصالح في الشريعة الإسلامية ثلاثة أقسام: قسم شهد الشرع باعتباره فهو حجة، وقسم سكت عنه الشرع فلم يشهد له بإلغاء ولا اعتبار فهو مصلحة مرسلة وهذا محل اجتهاد المجتهدين. والقسم الثالث ما شهد الشرع بإلغائه وعقود التأمين التجاري فيها جهالة وغرر وقمار وربا؛ فكانت مما شهدت الشريعة بإلغائه لغلبة جانب المفسدة فيه على جانب المصلحة.

2- الإباحة الأصلية لا تصلح دليلا هنا؛ لأن عقود التأمين التجاري قامت الأدلة على مناقضتها لأدلة الكتاب والسنة والعمل بالإباحة الأصلية مشروط بعدم المناقل عنها وقد وجد فبطل الاستدلال بها. 3- “الضرورات تبيح المحظورات” لا يصح الاستدلال بها هنا؛ فإن ما أباحه الله من طرق كسب الطيبات أكثر أضعافًا مضاعفة مما حرمه عليهم؛ فليست هناك ضرورة معتبرة شرعًا تلجئ إلى ما حرمته الشريعة من التأمين.

3- لا يصح الاستدلال بالعرف فإن العرف ليس من أدلة تشريع الأحكام، وإنما يبنى عليه في تطبيق الأحكام، وفهم المراد من ألفاظ النصوص، ومن عبارات الناس في إيمانهم وتداعيهم وأخبارهم وسائر ما يحتاج إلى تحديد المقصود منه من الأفعال والأقوال؛ فلا تأثير له فيما تبين أمره، وتعين المقصود منه، وقد دلت الأدلة دلالة واضحة على منع التأمين.. فلا اعتبار به معها.

4- الاستدلال بأن عقود التأمين التجاري من عقود المضاربة أو ما في معناه غير صحيح؛ فإن رأس المال في المضاربة لم يخرج عن ملك صاحبه، وما يدفعه المستأمن يخرج بعقد التأمين من ملكه إلى ملك الشركة، حسبما يقضي به نظام التأمين. وإن رأس مال المضاربة يستحقه ورثة مالكه عند موته، وفي التأمين قد يستحق الورثة نظامًا مبلغ التأمين، ولو لم يدفع مورثهم إلا قسطا واحدا، وقد لا يستحقون شيئا إذا جعل المستفيد سوى المستأمن وورثته، وإن الربح في المضاربة يكون بين الشريكين نسبا مئوية مثلا بخلاف التأمين؛ فربح رأس المال وخسارته للشركة وليس للمستأمن إلا مبلغ التأمين أو مبلغ غير محدد.

5- قياس عقود التأمين على ولاء الموالاة عند من يقول به غير صحيح؛ فإنه قياس مع الفارق، ومن الفروق بينهما أن عقود التأمين هدفها الربح المادي المشوب بالغرر والقمار وفاحش الجهالة بخلاف عقد ولاء الموالاة؛ فالقصد الأول فيه التآخي في الإسلام والتناصر والتعاون في الشدة والرخاء وسائر الأحوال، وما يكون من كسب مادي فالقصد إليه بالتبع.

6- قياس عقد التأمين التجاري على الوعد الملزم عند من يقول به لا يصح؛ لأنه قياس مع الفارق، ومن الفروق أن الوعد بقرض أو إعارة أو تحمل خسارة مثلا من باب المعروف المحض؛ فكان الوفاء به واجبًا أو من مكارم الأخلاق، بخلاف عقود التأمين فإنها معاوضة تجارية باعثها الربح المادي؛ فلا يغتفر فيها ما يغتفر في التبرعات من الجهالة والغرر.

7- قياس عقود التأمين التجاري على ضمان المجهول وضمان ما لم يجب قياس غير صحيح؛ لأنه قياس مع الفارق أيضًا، ومن الفروق أن الضمان نوع من التبرع يقصد به الإحسان المحض بخلاف التأمين فإنه عقد معاوضة تجارية يقصد منه أولا الكسب المادي؛ فإن ترتب عليه معروف فهو تابع غير مقصود إليه، والأحكام يراعى فيها الأصل لا التابع ما دام تابعًا غير مقصود إليه.

8- قياس عقود التأمين التجاري على ضمان خطر الطريق لا يصح فإنه قياس مع الفارق كما سبق في الدليل قبله.

9- قياس عقود التأمين التجاري على نظام التقاعد غير صحيح؛ فإنه قياس مع الفارق أيضا؛ لأن ما يعطي من التقاعد حق التزم به ولي الأمر باعتباره مسئولا عن رعيته، وراعى في صرفه ما قام به الموظف من خدمة الأمة، ووضع له نظامًا راعى فيه مصلحة أقرب الناس إلى الموظف، ونظر إلى مظنة الحاجة فيهم؛ فليس نظام التقاعد من باب المعاوضات المالية بين الدولة وموظفيها. وعلى هذا فلا شبه بينه وبين التأمين الذي هو من عقود المعاوضات المالية التجارية التي يقصد بها استغلال الشركات للمستأمنين والكسب من ورائهم بطرق غير مشروعة؛ لأن ما يعطى في حالة التقاعد يُعتبر حقًّا التُزم به من حكومات مسئولة عن رعيتها وتصرفها لمن قام بخدمة الأمة؛ كِفاءً لمعروفه، وتعاونًا معه جزاء تعاونه معها ببدنه وفكره وقطع الكثير من فراغه في سبيل النهوض معها بالأمة.

10- قياس نظام التأمين التجاري وعقوده على نظام العاقلة لا يصح فإنه قياس مع الفارق، ومن الفروق أن الأصل في تحمل العاقلة لدية الخطأ وشبه العمد ما بينها وبين القاتل خطأ أو شبه عمد من الرحم والقرابة التي تدعو إلى النصرة والتواصل والتعاون وإسداء المعروف ولو دون مقابل، وعقود التأمين التجارية استغلالية تقوم على معاوضات مالية محضة لا تمُت إلى عاطفة الإحسان وبواعث المعروف بصلة.

11- قياس عقود التأمين التجاري على عقود الحراسة غير صحيح؛ لأنه قياس مع الفارق أيضا، ومن الفروق أن الأمان ليس محلا للعقد في المسألتين، وإنما محله في التأمين الأقساط ومبلغ التأمين، وفي الحراسة الأجرة وعمل الحارس، أما الأمان فغاية ونتيجة وإلا لما استحق الحارس الأجرة عند ضياع المحروس.

12- قياس التأمين على الإيداع لا يصح؛ لأنه قياس مع الفارق أيضا؛ فإن الأجرة في الإيداع عوض عن قيام الأمين بحفظ شيء في حوزته يحوطه بخلاف التأمين؛ فإن ما يدفعه المستأمن لا يقابله عمل من المؤمِّن، ويعود إلى المستأمن بمنفعة إنما هو ضمان الأمن والطمأنينة، وشرط العوض عن الضمان لا يصح بل هو مفسد للعقد، وإن جعل مبلغ التأمين في مقابلة الأقساط كان معاوضة تجارية جعل فيها مبلغ التأمين أو زمنه؛ فاختلف في عقد الإيداع بأجر.

13- قياس التأمين على ما عرف بقضية تجار البز مع الحاكة لا يصح، والفرق بينهما أن المقيس عليه من التأمين التعاوني وهو تعاون محض، والمقيس تأمين تجاري، وهو معاوضات تجارية؛ فلا يصح القياس.