من المقرَّر في الدين أن المسلم يجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وإذا رأى منكرًا يغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه.
والجالس مع جماعة في حفل أو مأدُبة وفيهم من يشرب الخمر أو يفعل أي منكر يجب عليه أولا أن يقوم بالتغيير بما يستطيعه من عمل أو قول، وذلك إذا كانوا مسلمين فالخمر حرام عليهم، فإن لم ينتهوا وجب الانسحاب من الحفل، ولا يكتفي بأن يقول: اللهم هذا منكر لا يُرضيك ويستمر جالسًا معهم، فذلك إقرار لهم علي فعلهم، أو على الأقل تشجيع لهم حيث لم يجِدوا من هذا الشخص إنكارًا.
وقد قرر العلماء أن إجابة الدعوة لوليمة العرس واجبة، إلا إذا وجد منكرًا، فلا يجب عليه أن يُلَبِّي الدعوة بل عليه أن ينصرِف إن لم يستطع تغيير المنكر.
وقد روى أن عمر بن عبد العزيز أقام حدَّ الشُّرب على رجل حضر مجلسًا فيه خمر، وقالوا لعمر، إنه لم يشرب لأنه صائم، فقال: ابْدؤوا به فاجلدوه، أوما سمعتم قول الله تعالى:( وقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا ويُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِه إنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ) (سورة النساء : 140) .
يقول القرطبي في تفسيره لهذه الآية ” ج5 ص418 “:فكل مَن جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوِزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلَّموا بالمعصية أو عملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.
وجاء في ” كفاية الأخبار ” في فقه الشافعية ” ج2 ص6 “: هناك وجه يجوز الحُضور مع المنكر ولا يسمع بل ينكر بقلبه، كما لو كان بجواره منكر كطرب، فلا يلزمه التحوُّل وإن بلغه الصوت، قال النووي: هذا الوجه غلط، وهو خطأ ولا يعتبر بجلالة صاحب ” التنبيه ” وغيره ممّن ذكره فعلى الصحيح لو لم يعلم المنكر حتى حضر نهاهم، فإن لم ينتهوا فليخرج، فإن قعد حرم عليه القعود على الصحيح، فإن تعذَّر الخروج بأن كان في ليل وهو يخاف قعد وهو كارِه ولا يستمع، فإن استمع فهو عاصٍ، ولا يجامل بالحضور، فإن المجاملة لا تكون على حساب الدين، لمّا دعت فاطمةُ بنت رسول الله أباها ووجد عندها قرامًا ـ سترًا فيه صور ـ رجع مغضَبًا لم يجامِل ابنته.