أعطى الإسلام حقَّ حَضانة الطفل لأمه سواء أكانت زوجيتها لأبيه قائمة أم لا ؛ لأنها امتدادٌ لحياته الأولى التي عاشها بين أحشائها وتغذى من دمائها ، ولا يَشترط الإسلام في الأم الحاضنة أن تكون مسلمة، فلو كانت كتابية كان لها حق الحَضانة؛ لأن الشفقة الطبيعية لا تختلف بالإسلام وغيره.
كما أن الصغير يتبع في الدين خيرَ الأبوين دينًا عند اختلافهما في الدين، فإن خيف على الطفل من أن تفتنه أمه عن دينه، أو تعوده شرب الخمر وأكل الخنزير وغير ذلك من المحرمات فإنه ينزع منها ويعطى لمن بعدها في حق الحضانة.

يقول الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل ، مفتي مصر ـ الأسبق :ـ
من المُقَرَّر شرعًا أن الإسلام أمر بالاهتمام بتنشئة الطفولة التنشئة الصالحة؛ لأن حياة الطفل في عمره الأول هي التي تُحَدِّد شخصيتَه، فأعطى حقَّ حضانته لأمه، سواء أكانت زَوْجِيَّتُها لأبيه قائمة أم لا، ولأنها امتداد لحياته السابقة التي عاشها بين أحشائها وتغذى من دمائها، ولأن الطفل في حياته الأولى يحتاج إلى خدمة النساء .
ولا يُشترط في الأم الحاضنة أن تكون مسلمة، فلو كانت كِتابية كان لها حق الحَضانة؛ لأن الشفقة الطبيعية لا تختلف بالإسلام وغيره، فيبقى الولد في حَضانتها حتى يبلغ سِنَّ التمييز والإدراك، والتي يحتاج بعدها إلى رعاية الأب لتعليمه وتهذيبه واختيار أحب الأعمال إليه إن كان ذكرًا، أو صيانتها ورعايتها وتزويجها إن كانت أنثى، ولا يُنزَع منها الحَضانة إلا إذا خيف عليه أن يتأثر بدينها إن كانت غيرَ مسلمة؛ لأن الطفل قبل البلوغ يَتْبَع خيرَ الأبوين دينًا، فهو مسلم بإسلام أبيه، وبقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “كل مولود يُولَد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانه أو يُنَصِّرانه أو يُمَجِّسانه .

متى تنزع الحضانة من الأم غير المسلمة:

يستمر حق الحَضانة ثابتًا للأم مع اختلاف الدين إلا أن يَضرّ ذلك بدين الطفل فيُنزَع من يدها، ويتمثل في حالتين :
أولاً: إذا كان الطفل في سن التمييز ويَعقل الأديان ويَفهمها ويُخشى مِن تأثره بدينها إذا رآها تقوم بصلواتها وطقوسها الدينية غير الإسلامية .

ثانيًا: إذا ثَبَتَ أنها تحاول تَلْقينَه دينَها غيرَ الإسلاميّ وتعويدَه عاداتِه وتنشئتَه عليه، فيُنزَع في هذه الحالة من يدها، إذ تصبح غير أمينة عليه، والأمانة شرط من شروط الحَضانة .
ومن حق الأب عند ذلك أن يَرفع أمرَه إلى القضاء حتى يحصل عن طريقه على حقه في ضم الصغير بمُوجَب ما بين الدولتين من علاقات في مجال التعاون القضائيّ .

والأصل فيه ما رُوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاءً، وثَدْيِي له سِقاءً ، وحِجْري له حِوَاءً، وإن أباه طلَّقني وأراد أن ينتزعَه مني! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنتِ أحقُّ به ما لم تُنْكَحي .

ويُروى أن أبا بكر الصديق حكم على عمر بن الخطاب بعاصمٍ لأمه أم عاصم وقال: رِيحُها وشَمُّها ولطفُها خيرٌ من الشَّهْد عندك”. رواه سعيد في سننه، ولأنها أقرب وأشفق عليه، ولا يشاركها في القرب إلا أبوه، وليس له مثل شفقتها، ولا يتولى الحَضانة بنفسه وإنما يدفعه إلى امرأته، وأمه في هذه الحالة أولى به من امرأة أبيه. المُغْني (9 / 299 )

كما أن ولاية الأب لا تتعارض مع حَضانة الأم، فلكل منهما دوره المُكَمِّل للآخر، فعلى الأب يقع عبء الإنفاق على الصغير عندما يكون في حِجْر أمه لقوله تعالى: (فإنْ أَرْضَعْنَ لكم فآتُوهُنَّ أُجورَهُنَّ) (الطلاق: 6) وعلى الأم أن تعطيَه من حنانها وعُمْق مشاعرها ودفء عاطفتها والعناية بشؤونه ما يُنَشِّئُه النشأة السوية الصالحة، وما يجعله نافعًا لدينه ودنياه ويبتعد به عن التعقيدات النفسية والرواسب المعنوية .

هل يقدم حق الأب في الحضانة على حق الأم:

لا ينبغي أن يُحْتَجَّ بحق الأب على حق الأم؛ لأن لكل منهما ولايةً لها مجالها واختصاصها ونطاقها التي تَعمل فيه، فلا تَعارُضَ بينهما، فالحَضانة امتزاج واتصال ومعايشة بين الأم ووليدها، والولاية على النفس امتداد بالوسائل التي فيها قِوام الحياة وإشراف وملاحظة بما للأب من قدرات تُخَوِّل له ذلك، فضلاً عن أن الحَضانة تكون في السنين الأولى التي تَعْقُب الولادة فهي تكون في سِنِّ الطفولة، والولاية وإن تزامَنَت معها فإنها تمتد إلى سنّ النمو البدنيّ والعقليّ حتى تنتهيَ بالطفل إلى سن البلوغ والرشد، فبينهما تَوَاصُل وتَكَامُل لا تباعُد وتنافُر، فليست إحداهما في مواجهة الأخرى بحيث لا يتأتى القيام بإحداهما إلا بالتضحية بالأخرى .

وإذا كانت الحاضنة غيرَ مُعْتَدَّة من طلاق ولا زَوْجِيَّتُها قائمة فإن الحاضنة إذا كانت أمًّا فلها أن تَخرج إلى بلدها الذي يكون فيه أهلها وقد عُقِدَ زواجها من أبي الطفل فيه؛ لأن رضاه بالعقد فيه دليل ضمنيّ على أنه يَرضى لنفسه ولولده الإقامة فيه .

وبما أن الزوج قد ارتضى الإقامة في وطن الزوجة ووقر في ذهنه ما يترتب على ذلك من آثار، وهَيَّأ نفسَه معنويًّا لذلك، وافترض كلَّ احتمال، كتَمَسُّك الزوجة بمُوجَب عقد الزواج بعدم تركها لوطنها والنزوح إلى بلد زوجها، فإذا امتنعت عن إجابة مَطلبه من الإقامة في وطنه هي وأطفالها كان لها الحق في ذلك، وليس لها أن تنتقل إلى بلد لم يكن عقد زواجها فيه، أو لم يكن بَلَدَها إلا برضا الأب وليّ الصغير، كذلك ليس لها أن تنتقل به إلى بلدها إذا لم يكن عُقِدَ عليها فيه، ولا إلى البلد الذي عُقِدَ عليها فيه إذا لم يكن في الأصل بلدها “الأحوال الشخصية للإمام أبي زهرة ص 412 “.

وإذا كان الذي يريد أن يسافر بالصغير أباه، فإن كانت حاضنته هي أمه أو غيرها فليس له أن يخرج به عن البلد الذي تقيم فيه حاضنته؛ لأن في خروجه بالصغير من بلد الحاضنة تفويتَ حقها في حضانته وتفويتَ حق الصغير بحرمانه من حنان الحَضانة .

نعم، لو سقط حق أمه في حضانته، بأن تزوجت أجنبيًّا عنه، أو زالت عنها الشروط الشرعية للحَضانة، ولم يكن في البلد الذي تقيم فيه امرأة من محارم الصغير تَصْلُح للحَضانة، كان لأبي الصغير أن يخرج به من البلد الذي تقيم فيه أمه إلى البلد الذي تقيم فيه مَن ينتقل إليها حق حضانته شرعًا .

ومتى زال السبب الذي من أجله سَقَطَ حقُّ أم الصغير في حَضانته وجب على الأب أن يُعيدَه إليها في المكان الذي تقيم فيه “الأحوال الشخصية، محيى الدين عبد الحميد ص 405 “.

خلاف الأبوين في الحضانة مع اختلاف بلدان الإقامة:

إذا دَبَّ الخلاف بين طرفي الأسرة واستمسك كلُّ طرف بمبادئه ولم ينزل أي منهما على رأي الآخر، فلا يجوز شرعًا للأب الافتياتُ والتعدّي على حق الأم الحاضنة وسَلْبُ حضانتها عن مَحْضونها الشرعيّ بأية وسيلة من الوسائل غيرِ المشروعة، كالهرب به من موطن الزوجة إلى بلد آخر غيره أو خطفه، لأن هذا المسلك المَعيب لا يقوم عليه دليل ولا تقوم به حُجَّة، ولأن فيه إهدارًا لحق مُقَرَّر من قِبَل الشرع للحاضنة والطفل على حد سواء لقوله تعالى: (لا تُضَارَّ والدةٌ بولدِها.. ) (البقرة: 233) ولأن الطفل في مراحل عمره الأولى من حق أمه حتى بلوغه سِنَّ التمييز والإدراك. كما لا يجوز للحاضنة أن تَحْرِمَ الأب من حقه في رؤية طفله والتردد عليه لمتابعة شؤونه والاطمئنان على حُسْن تنشئته واستقامته على الطريق السليم وعدم تلقينه مبادئَ تُناقض تعاليمَ دينه، لقوله تعالى: (لا تُضَارَّ والدةٌ بولدِها ولا مولودٌ له بولدِه) (البقرة: 233 ).

وبناء على ما سبق فإنه لا يمكن مصادرة حق الأم في الحَضانة لحساب الأب في الولاية على النفس؛ لأن هذه الولاية هي التي يمارسها الأولياء في شأن الصغار ليُتَمِّموا بها أعمالاً بدأتها الحاضنة من النساء في مجال رعايتهم .

ولأن من المصلحة تغليبَ حق الطفل في الحياة الصحيحة؛ لأنه هو المقصود الأساسيّ من تشديد الرابطة الزوجية المُقَدَّسة لعدم الحرمان أو التِّيه والضياع، وهذا هو المُعَوَّل عليه والمعمول به في الفقه الحنفيّ في الإفتاء .

ولأن الطفولة أو الصِّغَر في مرحلة ما قبل التمييز هي المَناط في استحقاق الأم للحَضانة وحماية الطفل في التنشئة، فلا يجوز للأب الاعتداء على حقها وسلب حضانتها إلا إذا أثبت الوليُّ بالبينة الشرعية خروجَ الحَضانة عن حدود ولايتها الشرعية إلى الدرجة التي يتحقق منها الإضرار بالصغير المحضون ضررًا مُحَقَّقًا يَتعلق بذاته أو بدينه أو بخُلُقه الذي يُوجِبه الإسلام وتشريعه خير الأديان السماوية جميعًا وخاتمها، والمُتَمَّم بكل مكارمها الدينية والدنيوية على حد سواء .
والقاعدة الشرعية والفقهية أن الصغير من حيث الدين يَتْبَع خيرَ الأبوين دينًا عند اختلافهما في الدين .

وهذا بطبيعة الحال مُتَصَوَّر مع الأب المسلم والأم غير المسلمة، وليس العكس بالإجماع والاتفاق بين فقهاء المذاهب الفقهية الإسلامية .
ويكون من حق الوالد أو الوليُّ الشرعيّ الاعتراضُ على طلب تنفيذ حكم الضَّمِّ إلى الأم الحاضنة الصادر من الدولة الأجنبية؛ لأن الضَّمَّ في هذه الحالة سوف يؤدي إلى الإضرار بالمحضون بناءً على التنشئة الشرعية التي أبانت هذا الضرر، ومصلحة المحضون الشرعية يجب مراعاتها في جميع الأحوال حتى يستقلَّ بنفسه وتزول عنه ولاية غيره بتمام البلوغ الشرعيّ عاقلًا .

فإذا لم يُثْبِت الأب أو الوليُّ بالطرق الشرعية والقانونية خروجَ الأم عن ولايتها الشرعية للصغير المحضون فلا حقَّ له في الاعتراض أو المنع، وعلى الجهات المختصة إجابةُ الأم إلى طلبها في الحَضانة وتمكينُها من مَحضونها شرعًا وقانونًا، وإجابةُ طلبها بتذييل الحكم الأجنبيّ بالصيغة التنفيذية التي تُمَكِّنُها من ضمِّ وليدها ومغادرةِ البلاد بصُحْبة أطفالها المشمولِين بولايتها وحضانتها الشرعية، وذلك مع مراعاة المعاملة بالمِثْل ووضع القواعد القانونية والضوابط والاتفاقات الدولية التي تُنَظِّم ذلك من الناحية الشرعية والقانونية والموضوعية والإجرائية والتنفيذية .