جاء في نهاية ابن الأثير ” مادة “ضيع” أن الضَّيْعة ما يُؤْخَذ منها معاش الرجل كالصناعة والتجارة والزراعة وغير ذلك، ومنه الحديث ” أفشى الله عليه ضَيْعَتَه ” أي أكثر عليه معاشه، ومنه حديث ابن مسعود ” لا تتَّخِذُوا الضَّيْعَة فترغَبوا في الدُّنيا “، وحديث حنْظَلَة ” عافَسْنا الأزواج والضَّيْعات ” أي المعايش .
وروى ابن ماجة وابن حِبَّان وغيرهما قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ” من تَكُنِ الدُّنيا نيتَه جعل الله فقره بين عينيه، وشتَّت عليه ضَيْعته، ولا يأتيه منها إلا ما كُتِبَ له، ومن تكن الآخرة نيته جعل الله غناه في قلبه، وكفَاه ضيعته، وأتتْه الدُّنْيا وهي راغِمَة ” .
يقول الحافظ المُنذري في معنى ” شتَّت عليه ضَيْعته ” فرَّق عليه حاله وصناعته ومعاشه وما هو مهتم به، وشعَّبه عليه ليَكْثُر كَدُّه ويَعظُم تعبُه . أهـ .
وليس المراد من ذلك التنفير من الحِرفة والعمل والدعوة إلى الزُّهد والانقطاع إلى العبادة، ولكن المراد عدم الاهتمام الزائد بها والاتِّكال الكامل عليها بحيث يَنسى الإنسان ربه ويأمن عقابه، ومن باشَرَ أيَّ عمل مشروع بنيَّة الآخرة كوسيلة للسعادة فيها ـ وبالتالي سيَسْعد في الدنيا ـ بارك الله له في عمله . أما مَن فُتن بالعمل الدنيوي ونَسِيَ ربَّه وآخرته أتْعَبَه الله وأكثر همومه وحرَمه القناعة التي هي من أهم أسباب السعادة .