مجرد التفكير في المعصية والهم دون فعلها لا إثم عليه ، أما العزم والحرص واتخاذ الوسائل المؤدية لها فكل هذا يحاسب المرء عليه، وما دام المسلم قد هم بالمعصية ثم رجع وندم خوفا من الله عز وجل فلا شيء عليه وتكتب له حسنة بسبب خوفه من الله ورجوعه إلى جادة الصواب .

يقول فضيلة الشيخ عطية صقر من كبار علماء الأزهر الشريف :

يقول الله سبحانه (لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {284} (سورة البقرة) وبعيدًا عما قال المفسرون في الآية من إحكام أو نسخ بما جاء بعدها من أن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، ففي الحديث الشريف ” إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم ” رواه البخاري .

إن للنفس عدة حركات، منها الهاجس والخاطر وحديث النفس والهم والعزم، وكل إنسان معرض لها بحكم طبيعته التي خلقه الله عليها، فلو حاسبنا عليها وآخذنا بها لكان ذلك تكليفًا بما لا يطاق، وهو سبحانه حكم عدل رءوف رحيم، ولذلك لا يحاسب إلا على نتيجة هذه الحركات النفسية من القول أو العمل، أما ما دامت في المرحلة الداخلية فلا يكلفنا إلا بأقواها وأقربها إلى التنفيذ، وذلك يكون عند الهم والعزم.

وقد جاء فيما حدث به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن رب العزة كما رواه البخاري ومسلم “إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك في كتابه فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، فإن عملها كتبها عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عند حسنة، وإن عملها كتبها الله عليه سيئة واحدة”.

وذلك هو حكم الهم بالسيئة دون عملها، لا عقاب عليها بل نص هذا الحديث على أنه يثاب بحسنة، أما العزم وهو درجة أقوى من الهم ففيه المؤاخذة، بناء على حديث البخاري ومسلم “إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار” قيل يا رسول الله هذا القاتل، يعني عرفنا حكمه لأنه قتل، فما بال المقتول يدخل النار ولم يقتل؟ قال: “إنه كان حريصًا على قتل صاحبه” والحرص هو العزم المصمم وهو كالفعل في المؤاخذة.

ثم إن العلماء قالوا: العدول عن فعل المعصية التي هم بها له سببان:

الأول: عجز عن التنفيذ أو خوف من رقيب دنيوي، وهذا لا مؤاخذة فيه، فلا تكتب سيئة، بل ولا يعطي حسنة، وكفى أنه لا عقاب عليه.

الثاني: في العدول عن فعل المعصية هو الخوف من الله سبحانه، وهنا لا يكتفي بعدم العقاب، بل يكافأ بثواب حسنة، فالخوف من الله عمل خير، لا يضيع أجره عند الله، ويوضح هذا ما جاء في روايات أخرى للحديث، منها ما رواه الشيخان أيضا “يقول الله عز وجل إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن علمها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة” وفي رواية لمسلم “وإذا تحدث عبدي بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإن عملها فأنا أكتبها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة ، إنما تركها من جراي” أي من أجلي.

وبمجموعة هذه الروايات نقول : لا عقاب على المسلم في حديث النفس بارتكاب المعصية حتى لو وصل إلى درجة الهم وما دام تركها خوفًا من الله فله حسنة إن شاء الله تعالى. أ.هـ