حديث “الحجر الأسود يمين الله عز وجل، يصافح به خلقه كما يصافح الرجل أخاه” غير صحيح، وقد أوله بعض العلماء تأويلات تنفي المعنى الظاهر من الحديث، يقول فضيلة الشيخ حسنين مخلوف -رحمه الله تعالى:
لم يصح هذا حديثًا عن رسول الله ﷺ، وقد وردت في فضل الحجر الأسود أحاديث، وعن عمر رضي الله عنه كما في صحيح البخاري: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله ـ ﷺ ـ يُقبِّلك ما قَبَّلتُك.
وقد روى النسائي ما يُشعر بأن عمر رفع قوله هذا إلى رسول الله ﷺ، فقد أخرج من طريق طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رأيت عمر قبَّل الحجر ثلاثًا ثم قال: إنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله ـ ﷺ ـ يقبلك ما قبلتك. ثم قال: رأيت رسول الله ـ ﷺ ـ فعل ذلك. قال الطبري: وإنما قال ذلك عمر لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخَشيَ عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب التعظيم لبعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله ـ ﷺ ـ لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته، كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان.
وقال المُهلَّب: حديث عمر هذا يرد على من قال إن الحجر يمين الله في الأرض يصافح بها عباده، ومعاذ الله أن يكون لله جارحة.
وهذا صريح في أنه ليس بحديث، وإنما هو قول لبعض الناس مردود بما ذُكر. وقال الخطَّابي تصحيحًا لمعناه فقط: معنى أنه يمين الله في الأرض أن من صافحه في الأرض كان له عند الله عهد، وجرت العادة بأن العهد يعقده الملك بالمصافحة لمن يريد موالاته والاختصاص به فخوطبوا بما يعهدونه.
وقال المحب الطبري: معناه أن كل ملك إذا قَدِم عليه الوافد قَبَّل يمينه، فلما كان الحاج أول ما يَقْدم يُسنُّ تقبيله، نزل منزلة يمين الملك ولله المثل الأعلى اهـ.
فهو كلام على التجوز، ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري، قال: وإنما شُرع تقبيله اختيارًا ليعلم بالمشاهدة طاعة من يطيع، وذلك شبيه بقصة إبليس حين أُمر بالسجود لآدم عليه السلام.
وفي قول عمر هذا تسليم للشارع في أمور الدين وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها وهو قاعدة عظيمة في اتباع النبي ـ ﷺ ـ فيما يفعله، ولو لم تُعلَم الحكمة فيه. وفي شرح الترمذي أنه يُكره تقبيل ما لم يَرِدْ الشرع بتقبيله.
والخلاصة أن هذا الحديث ليس بصحيح،ونحن متعبدون بتقبيل الحجر الأسود لفعل النبي ﷺ ذلك،وقد ظهر هذا من الأثر الوارد عن عمر رضي الله عنه وأرضاه.