حادث الإفك سجَّله القرآن في أوائل سورة النور، وروته كتب السنة بإسهاب ، واتهام الإنسان لغيره بالزنا يُسمى قذفًا ، يوجِب حد القاذف ثمانين جلدة إن تبيَّن كذبه في هذا الاتهام ، ومعروف أن الزنا لا يثبت إلا بالإقرار أو البيِّنة ، وهي أربعة شهود عدول رأوا الحادثة رؤية لا شبهة فيها ، ولو ثبت زنا المقذوف سقط الحد عن القاذف.

وقد حرَّم الله القذف الذي لا دليل على استحقاق المقذوف له ، ووضع له حدًّا رادعًا فقال: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقِونَ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (سورة النور: 4-5).

وقال سبحانه فيمن رموا السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ بالإفك (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (سورة النور: 11) ، والذي تولى كبره بالترويج ونشر خبره هو عبد الله بن أُبي بن سلول زعيم المنافقين كما أخرجه البخاري عن عائشة. وكذلك حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحِمْنة بنت جحش ، كما في رواية البخاري ومسلم.

ولما ظهرت براءة السيدة عائشة هل طبق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حد القذف عليهم؟ جاء في تفسير القرطبي ، أن محمد بن إسحاق وغيره قالوا : إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جلد في الإفك رجلين وامرأة وهم مسطح وحسان وحمنة، وذكره الترمذي أيضًا.

وذكر القشيري أن الذي أقيم عليهم الحد ثلاثة: عبد الله بن أبي، وحسان وحمنة، وأما مسطح فلم يثبت عنه القذف صريح ولكنه كان يسمع ويشيع من غير تصريح ، وفي رأي ذكره الماوردي أن الأربعة أُقيم عليهم الحد، ثم قال القرطبي: المشهور من الأخبار والمعروف عند العلماء أن الذي حَدَّ حسان ومسطح وحمنة، ولم يسمع بحدٍّ لعبد الله بن أُبي .

وذلك الحديث رواه أبو داود عن عائشة، وعلل العلماء ذلك بأن الله أعدَّ لعبد الله بن أُبي في الآخرة عذابًا عظيمًا، فلو حُدَّ في الدنيا لكان ذلك نقصًا من عذابه في الآخرة وتخفيفًا عنه ، وإنما حُد المسلمون الثلاثة ؛ ليكفر الله عنهم الإثم حتى لا يبقى عليهم تبِعة من ذلك في الآخرة ، فقد ثبت حديث عبادة بن الصامت مرفوعًا في الحدود ” إنها كفارة لمن أقيمت عليه” .

وقيل: إن ترك حدِّ ابن أُبي كانت استئلافًا لقومه واحترامًا لابنه ـ لأن ابنه كان مؤمنًا صادقًا ـ وإطفاءً لثائرة الفتنة المتوقعة من ذلك . وقد كان ظهرت مبادؤها من سعد بن عباده ومن قومه كما في صحيح مسلم.

فهناك ثلاثة آراء فيمن أُقيم عليهم حدُّ القذف:

رأي يقول بإقامته على ثلاثة هم مسطح وحسان وحمنة .

ورأي يقول بإقامته على ثلاثة هم: عبد الله بن أبي وحسان وحمنة، أما مسطح فلم يثبت عليه قذف صريح .

ورأي يقول بإقامته على أربعة هم: عبد الله بن أبي ومسطح وحسان وحمنة.

والرأي الأول أخرج عبد الله بن أُبي من الحد إما سياسة وإما اكتفاء بعذابه العظيم في الآخرة، أمَّا غيره فكان الحد كفارة لذنبهم لا يُعاقبون عليه في الآخرة.