وعد الله تعالى من ابتلاه بفقد بصره أن يدخله الجنة ،جزاء صبره على ما ابتلاه به ، فالمسلم يصبر على بلاء الله له،ولكن لايمنع هذا إن ظهر لمن فقد بصره أن يعالج نفسه ،حتى يعود إليه بصره فلا حرج عليه في ذلك،وهذا لن يضيع ثوابه إن شاء الله ،بل نطمع أن يدخله تعالى في واسع رحمته ،ومزيد فضله،وفضل الله واسع ليس له حدود.

يقول الدكتور محمد بكر إسماعيل الأستاذ بجامعة الأزهر:

رُبَّ ضارة نافعة، ورُبَّ مِحْنَة أعقبت مِنْحة، ولو علمتم ما في الغيب لاخترتم الواقع، وما على العبد إلا أن يرضى بقضاء الله وقدره ويحتسب أجره على الله تعالى وله جزاء الصابرين.

والحديث الذي ورد بأن مَن فقد بصرَه دخَل الجنة حديث صحيح رواه البخاريّ والترمذيّ وغيرهما، ونَصُّه في البخاريّ: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: “إنَّ الله تعالى قال: إذا ابْتَلَيْتُ عبدي بحبيبتَيه فصبر عَوَّضْتُه منها الجنة” يريد عينيه. وفي رواية الترمذيّ: “فصبَر واحتسَب” أي احتسَب أجره على الله ـ تبارك وتعالى ـ وطَمِع في واسع رحمته، فدخول الجنة لمن فقد بصره متوقف على الصبر والاحتساب، وهناك شرط آخر وهو الإيمان والعمل الصالح بقدر الإمكان.

وفَقْد البصر مصيبة من أعم المصائب، فمن صبر عليها أُدْخِل الجنة برحمة الله ـ تبارك وتعالى ـ جزاءَ صبره، قال تعالى: (إنما يُوَفَّى الصابرونَ أجرَهم بغيرِ حساب). أما مَن سَخِطَ ولم يرضَ بقضاء الله وقدره فقد حُرِمَ الأجرَ وفاته الخير كله.

واعلم أن وراء كل بَلِيَّة نعمةً تقابلها لأن الله ـ عز وجل ـ يقول: (نحن قَسَمْنا بينَهم معيشتَهم في الحياةِ الدنيا) فمن حُرِمَ نعمةً عُوِّضَ عنها في الدنيا بما يقابلها، وجُوزيَ على صبره في الآخرة جزاءً حسنًا، نص الله عليه في قوله: (ولَنَبْلُوَنَّكم بشيءٍ من الخوفِ والجوعِ ونقصٍ من الأموالِ والأنْفُسِ والثمراتِ وبَشِّرِ الصابرينَ. الذينَ إذا أصابَتْهم مصيبةٌ قالوا إنا للهِ وإنا إليه راجعونَ. أولئكَ عليهم صلواتٌ مِن ربِّهم ورحمةٌ وأولئك هم المُهْتدون) أي أولئك الصابرون المحتسِبون أجرَهم على الله، عليهم من الله سحائبُ العز ونَفَحاتُ الخير، وبركات تَتبعها بركات، وعليهم منه رحمة واسعة في الدنيا والآخرة، وأولئك هم المهتدون إلى الجنة بإذنه جَلَّ شأنه وتبارك اسمه وعَظُمَت آلاؤه.

لكن لو كان مع من فقد بصره مال وأخبره الطبيب الحاذق أن نظره يعود إليه بعملية جراحية هنا أو هناك، فلا بأس أن يستجيب لنصح الطبيب ويهيئ نفسَه لإجراء العملية، بشرط أن يستخير الله في ذلك بالاستخارة الواردة عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

ولا تَحْرِم نفسَك أيها المسلم من عودة الإبصار إليك ما دمت مطمئنًّا من نجاح العملية، ولا تظن أن عودة البصر إليك سيحرمك مِنَّة دخول الجنة، فالله واسع الفضل قد يدخلك الجنة بغير حساب برحمته، فكن عند حسن ظنك بربك.