لم يفرق الإسلام في الثواب بين تحصيل العلم الديني وبين تحصيل العلم المادي مادام نافعا للمسلمين،ومن الملاحظ أن الآيات التي ذكرت منزلة العلماء ومكانتهم عند الله تعالى جاءت في معرض الحديث عن العلوم الكونية والعلوم المادية،وليست العلوم الشرعية،ولا يعني هذا التقليل من شأن العلوم الدينية،ولكنه إقرار لثواب العمل النافع للمسلمين والبشرية ،ما دام يبتغى به وجه الله تعالى .
بل قد يكون تحصيل العلم المادي فرضا على المسلمين ،وما أحوجنا أن ننهض ونتفوق في العلم المادي لحاجة الأمة إليه .

يقول الدكتور أحمد عبدالكريم نجيب مدرس الشريعة بكليّة الدراسات الإسلاميّة في سراييفو ، و الأكاديميّة الإسلاميّة في زينتسا:
إنّ طلب العلم المادّي ( الذي ينفع الناس في حياتهم ) مقصد شريف في ذاته انتدبنا الله تعالى إلى تحصيله و السعي في طلبه ، خاصّةً إذا ترتّبت عليه آثارٌ خاصّةٌ كتحصيل الخشية في نفس حامله ، إذ ( إنّما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ ) أو عامّةٌ كالعمل على التمكين للمسلمين في الأرض و تيسير أمورهم ، و تقوية شوكتهم ، و إظهارهم على عدوّهم ، سواء كان ذلك العلم من قبيل علوم المادّة ( الفيزياء ) أو الاقتصاد أو الصناعة أو غير ذلك .

هذا على وجه العموم أمّا على وجه الخصوص ؛ فتدخل النيّة و المقاصد في الحُكم على كلّ حالةٍ ، فإذا كان العالم في موقع، و عَمِل من خلاله على نقل المعارف و العلوم و التقنية ( التكنولوجيا ) النافعة إلى المسلمين ، و احتَسَبَ في ذلك الأجر عند الله تعالى ، فلا شك عندنا في أنّه مأجورٌ على عِلمه و عَمَله إن شاء الله تعالى .

أمّا إن كان يقوّي الكافرين و يُظهرهم على المسلمين بعلمه أو عَمَله أو رأيه ، فحالُه بالغ الخطورة و إثمُه كبير ، و ينبغي عليه أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى قبل أن يأتيَ يومٌ لا ينفع فيه مالٌ و لا بنون إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم .
و إن كان في عمله هذا يتلمّس أسباب الرزق ، بمعزلٍ عن قصد جلب النفع للمسلمين أو عَكسهِ ، فعَليه أن يُراجع نيّته في ضوء ما تقّدم ، فإن كانت حَسنةً فبِها و نِعمَت ، و إلاّ فعليه إصلاحها ، لأنّ الثواب و العقاب مترتّبان على النيّة ، و لا ثواب إلا بالنيّة ، لحديث عُمَر بن الخطّاب رضي الله عنه المشهور ، أنّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم قال : ( إنّما الأعمال بالنيّات و إنّما لكلّ امرئٍ ما نوى ) .

وأما من يقوم بحفظ كتاب الله تعالى و يحرص على التعليم و التعلّم و الدعوة إلى الله تعالى في محيط عَملهِ أو سَكنه ، فهذا يبعث على الغبطة و السرور.

و نحتسب جزيل الأجر والثواب عندَ الله تعالى كل مسلم يعلم الناس الخير كإلقاءه المحاضرات و الدروس العلميّة الشرعيّة ( في التفسير أو غيره ) رجاءَ ما عند الله ، و عَدَم تلقيه أجراً مادياً عليها ، فقد روى الترمذي في سننه بإسناد صحيح عَنْ أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِىِّ أنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه قالَ : «‏ إِنَّ اللَّهَ وَ مَلاَئِكَتَهُ وَ أَهْلَ السَّمَوَاتِ وَ الأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِى جُحْرِهَا وَ حَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ »‏ .‏

و نرجو أن يكون ذلك ممّا ينتفع به في الحياة و بعد الممات لكونه علماً ينتفع الناس به .