تنشيف الأعضاء بعد الوضوء أو الغسل مسألة اختلف فيها الفقهاء على قولين: الإباحة، والكراهة، والراجح من أقوال أهل العلم أنه يجوز التنشيف بل يستحب لمن احتاج إليه لخوف برد أو نحوه وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة ورواية عند الشافعية، والذي يدل على الإباحة الحديث الذي رواه ابن ماجه في سننه، وصححه الشيخ الألباني “”لما كان عام الفتح قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غسله فسترت عليه فاطمة ثم أخذ ثوبه فالتحف به

والذين قالوا بكراهة التنشيف بعد الوضوء استدلوا بحديث ميمونة قالت: “أدنيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله من الجنابة. فغسل كفيه مرتين أو ثلاثا. ثم أدخل يده في الإناء. ثم أفرغ به على فرجه، وغسله بشماله. ثم ضرب بشماله الأرض. فدلكها دلكا شديدا. ثم توضأ وضوءه للصلاة. ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفه. ثم غسل سائر جسده. ثم تنحى عن مقامه ذلك. فغسل رجليه. ثم أتيته بالمنديل فرده”، ولكن الذي استدلوا بهذا الحديث على كراهة التنشيف مردود عليهم بأن ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يدل على الكراهة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد يترك المباح كما يفعله، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تنشف بعد الغسل كما في حديث ابن ماجه السابق.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
لا بأس بالتنشيف والمسح بالمنديل أو الخرقة بعد الوضوء والغسل، بهذا قال الحنفية والمالكية والحنابلة وهو قول عند الشافعية ، وحكى ابن المنذر إباحة التنشيف عن عثمان بن عفان والحسين بن علي وأنس بن مالك وبشر بن أبي مسعود والحسن البصري وابن سيرين وعلقمة والأسود ومسروق والضحاك والثوري وإسحاق .

واستدل القائلون بجواز التنشيف بعدة أحاديث منها : حديث أم هانئ عند الشيخين ( قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غسله فسترت عليه فاطمة ثم أخذ ثوبه فالتحف به( وهذا ظاهر في التنشيف .
وحديث قيس بن سعد ( أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فوضعنا له ماء فاغتسل ، ثم أتيناه بملحفة ورسية فاشتمل بها فكأني أنظر إلى أثر الورس على عكنه(
وحديث سلمان ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( توضأ فقلب جبة صوف كانت عليه فمسح بها وجهه). وحديث أبي بكر ( كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خرقة يتنشف بها بعد الوضوء) وحديث أبي مريم إياس بن جعفر عن رجل من الصحابة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له منديل أو خرقة يمسح بها وجهه إذا توضأ )

وكره التنشيف بعد الوضوء والغسل ابن أبي ليلى وسعيد بن المسيب والنخعي ومجاهد وأبو العالية ، واستدلوا بما رواه ابن شاهين في الناسخ، والمنسوخ من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يمسح وجهه بالمنديل بعد الوضوء، ولا أبو بكر ولا عمر ولا ابن مسعود.
وحكي كراهته عن ابن عباس في الوضوء دون الغسل، ونهى عنه جابر بن عبد الله .

المفاضلة بين التنشيف وتركه بعد الوضوء:
اختلف القائلون بجواز التنشيف في المفاضلة بين فعله وتركه بعد الوضوء على النحو التالي :
ذهب المالكية والحنابلة – وهو أصح أقوال الشافعية – إلى أفضلية ترك التنشيف لحديث ميمونة (أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل قالت : فأتيته بخرقة فلم يردها فجعل ينفض بيده(هذا إذا لم يحتج إليه لخوف برد أو التصاق نجاسة أو نحوه، وإلا فلا يسن تركه، قال الأذرعي : بل يتأكد سنة إذا خرج عقب الوضوء في محل النجاسات عند هبوب الريح وكذا لو آلمه شدة برد الماء أو المرض أو الجرح أو كان يتيمم أثره أو نحوها .
ويرى الحنفية والشافعية في قول أفضلية التنشيف والتمسح بمنديل بعد الوضوء.

وجاء في كتاب المغني لابن قدامة الحنبلي:
ولا بأس بتنشيف أعضائه بالمنديل من بلل الوضوء والغسل، قال الخلال المنقول عن أحمد أنه لا بأس بالتنشيف بعد الوضوء . وممن روي عنه أخذ المنديل بعد الوضوء عثمان والحسن بن علي وأنس ، وكثير من أهل العلم.

ونهى عنه جابر بن عبد الله وكرهه عبد الرحمن بن مهدي وجماعة من أهل العلم ؛ لأن ميمونة روت ( أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل فأتيته بالمنديل ، فلم يردها ، وجعل ينفض الماء بيده ) متفق عليه، والأول أصح ؛ لأن الأصل الإباحة ، وترك النبي صلى الله عليه وسلم لا يدل على الكراهة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد يترك المباح كما يفعله، وقد روى أبو بكر في الشافي بإسناده ، عن عروة عن عائشة ، قالت : ( كان للنبي صلى الله عليه وسلم خرقة يتنشف بها بعد الوضوء) وسئل أحمد عن هذا الحديث ، فقال : منكر منكر .

وروي عن قيس بن سعد (أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل ، ثم أتيناه بملحفة ورسية ، فالتحف بها) إلا أن الترمذي قال : لا يصح في هذا الباب شيء . ولا يكره نفض الماء عن بدنه بيديه ؛ لحديث ميمونة .