ليس يحسن بالمريض أن يتمنى الموت أو يدعو به للضر الذي به، لما روى الشيخان عن أنس أن النبي –صلى الله عليه وسلم– قال:
” لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لابد فاعلاً، فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي ” (البخاري مـع الـفتــح (5671) بـاب تـمنى المريض الموت، ومسلم في الـذكر والدعاء 2680).
وقد بين حديث أبى هريرة عند البخاري وغيره الحكمة في هذا النهى، فقال: ” ولا يتمنين أحدكم الموت، إما محسنا فلعله أن يزداد خيرًا، وإما مسيئًا فلعله يستعتب . (البخاري مع الفتح 5673).
ومعنى يستعتب : أي يرجع عما أوجب العتب عليه، وذلك بالتوبة النصوح.
وفى صحيح مسلم عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : ” لا يتمنين أحدكم الموت، ولا يدع به من قبل أن يأتيه : إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرًا “. (مسلم في الذكر والدعاء والتوبة، حديث 2662).
قال العلماء : إنما يكره تمنى الموت إذا كان لضر في بدنه أو ضيق في دنياه، ولا يكره إذا كان لخوف فتنة في دينه لفساد الزمان، وهو مفهوم من حديث أنس المذكور . وقد جاء عن كثير من السلف تمنى الموت حين خافوا على دينهم. (انظر : شرح السنة للبغوي 5 /259، والمجموع للنووى 5 /106، 107).
ويؤيد ذلك حديث معاذ بن جبل من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- : ” اللهم إنى أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنى إليك غير مفتون “. (رواه الترمذي وقال : حسن صحيح (3235) وهو في المسند أيضًا، وصححه الحاكم، كما رواه الترمذي من حديث ابن عباس (3233) وأحمد وصححه شاكر 3484).
وقد جاء في أحاديث أشراط الساعة أن الرجل يمر بقبر أخيه، فيقول : يا ليتنى كنت مكانه.
كما أن كراهية تمنى الموت مقيدة بما إذا فعل ذلك قبل أن تحل به مقدماته، أما عند مجيئها فلا مانع من تمنيه، رضا بلقاء الله تعالى، ولا من طلبه من الله تعالى حبًا للقائه عز وجل.
ولهذا ذكر البخاري في هذا الباب حديث عائشة قالت : سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو مستند إليَّ يقول : ” اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقنى بالرفيق الأعلى ” (البخاري، حديث 5674) . إشارة إلى أن النهى مختص بالحالة التي قبل نزول الموت. (انظر الفتح 10 /130).