المشروع بعد دفن الميت الوقوف على قبره والدعاء له بالمغفرة والتثبيت كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما تلقين الميت بعد الدفن فهو مخالف للسنة بل الكثير من أهل العلم على أنه بدعة، فلم يصح في ذلك شيء، والحديث الذي استدل به المجيزون وهو قوله صلى الله عليه وسلم “لقنوا موتاكم  لا إله إلا الله” حديث صحيح، ولكن الجمهور على أن المراد بالتلقين هنا ساعة الاحتضار وليس بعد الموت.

يقول الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:

هذا التلقين مبتدع وليس له سند من السنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وقد نصّ على أنه بدعة طائفة من أهل العلم .

قال الإمام العز بن عبد السلام: [لم يصح في التلقين شيء وهو بدعة وقوله صلى الله عليه وسلم : (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ) محمول على من دنا موته ويئس من حياته][1]

ونقل عن الإمام مالك القول بكراهة التلقين بعد الموت[2].

وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[ فأما التلقين بعد الدفن فلم أجد فيه عن أحمد شيئاً ولا أعلم فيه للأئمة قولاً سوى ما رواه الأثرم قال قلت لأبي عبد الله : فهذا الذي يصنعون إذا دفن الميت ، يقف الرجل ويقول: يا فلان ابن فلان اذكر ما فارقت عليه شهادة أن لا إله إلا الله ؟ فقال : ما رأيت أحداً فعل هذا إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة جاء إنسان فقال ذلك . قال : وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه … ][3].

وقال الشيخ المرداوي بعد أن ذكر أن مذهب الحنابلة إثبات التلقين بعد الدفن : [ … والنفس تميل إلى عدمه … ] الإنصاف 2/549 .

وقال شمس الحق العظيم آبادي: [والتلقين بعد الموت قد جزم كثير أنه حادث ] عون المعبود 8/268 .

وقال الشيخ ابن القيم :[ ولم يكن يجلس – أي رسول الله صلى الله عليه وسلم – يقرأ عند القبر ولا يلقن الميت كما يفعله الناس اليوم ][4].

وأما ما يروى في الحديث عن جابر بن سعيد الأزدي قال:(دخلت على أبي أمامة وهو في النزع فقال لي : يا أبا سعيد إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصنع بموتانا فإنه قال : إذا مات الرجل منكم فدفنتموه فليقم أحدكم عند رأسه فليقل : يا فلان ابن فلانة ! فإنه يستوي قاعداً فليقل : يا فلان ابن فلانة فإنه سيقول أرشدني رحمك الله فليقل : اذكر ما خرجت عليه من دار الدنيا شهادة أن لا إله الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور فإن منكراً ونكيراً يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول له : ما نصنع عند رجل لقن حجته ؟ فيكون الله حجيجهما دونه ) قال الشيخ الألباني : منكر . أخرجه القاضي الخلعي في الفوائد 2/55 .

قلت – أي الألباني -: [وهذا إسناد ضعيف جداً لم أعرف أحداً منهم غير عتبة بن السكن . قال الدار قطني : متروك الحديث . وقال البيهقي : واهٍ منسوب إلى الوضع . والحديث أورده الهيثمي … وقال : رواه الطبراني في الكبير وفي إسناده جماعة لم أعرفهم ] ثم ذكر الشيخ الألباني أن الأئمة النووي وابن الصلاح والحافظ العراقي قد ضعفوا الحديث . السلسلة الضعيفة 2/64-65 .

وقال الشيخ ابن القيم بعد أن ساق الحديث :[فهذا حديث لا يصح رفعه][5].

ونقل ابن علان قول الحافظ ابن حجر بعد تخريج حديث أبي أمامة :[ هذا حديث غريب وسند الحديثين من الطريقين ضعيف جداً ][6].

وقال الصنعاني :[ويتحصل من كلام أئمة التحقيق أنه حديث ضعيف والعمل به بدعة ولا يغتر بكثرة من يفعله][7].

وقد احتج المثبتون للتلقين بما جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله )[8].

وهذا الحديث ليس فيه التلقين بعد الموت وبعد الدفن وإنما هو في التلقين عند الاحتضار.

قال الإمام النووي:[قوله : (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) معناه من حضره الموت والمراد ذكروه لا إله إلا الله لتكون آخر كلامه كما جاء في الحديث :( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ) والأمر بهذا التلقين أمر ندب وأجمع العلماء على هذا التلقين ][9].

وسبق كلام العز بن عبد السلام أن هذا الحديث محمول على من دنا موته ويئس من حياته . وقال صاحب الهداية الحنفي :[ ولقن الشهادتين لقوله صلى الله عليه وسلم :( لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله ) والمراد الذي قرب من موته ][10].

ومما يؤيد تفسير الميت بالمحتضر كما ذهب إليه كثير من أهل العلم ما ورد في الحديث عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ) رواه أبو داود والحاكم وقال : صحيح الإسناد . ووافقه الذهبي وحسنه الشيخ الألباني . ومما يؤيد ذلك أيضاً ما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فإنه من كان آخر كلمته لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة يوماً من الدهر وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه ) رواه ابن حبان والبزار وقال محقق صحيح ابن حبان : حديث صحيح [11].

والمشروع عند الانتهاء من دفن الميت هو الاستغفار للميت والدعاء له قال الشيخ ابن القيم:

[وكان – أي رسول الله صلى الله عليه وسلم – إذا فرغ من دفن ميت قام على قبره هو وأصحابه وسأل له التثبيت وأمرهم أن يسألوا له التثبيت ][12].

ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عثمان رضي الله عنه قال :( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال : استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ) رواه أبو داود والبيهقي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال الإمام النووي : إسناده جيد . وصححه الشيخ الألباني أيضاً .


[1]- فتاوى العز بن عبد السلام ص427 .

[2]- انظر كفاية الطالب الرباني نقلاً عن الآيات البينات للألوسي ص63-64 .

[3]- المغني 2/377

[4]-زاد المعاد 1/522 .

[5]-زاد المعاد 1/523 .

[6]- الفتوحات الربانية على الأذكار النووية 4/196.

[7]- سبل السلام 2/234 .

[8]- رواه مسلم . انظر صحيح مسلم بشرح النووي 2/519 .

[9]- شرح صحيح مسلم 2/512 .

[10] -الهداية 2/68 .

[11]- صحيح ابن حبان 7/272

[12]- زاد المعاد 1/522.